للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتّخَلِّى منه إلى التَّحْرِيمِ، ولو كان التَّخلِّى أفْضَلَ لَانْعَكسَ الأمْرُ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَزَوّجَ، وبالَغَ فى العَدَدِ، وفَعَلَ ذلك أصحابُه، ولا يَشْتَغِلُ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه إلَّا بالأفْضَلِ، ولا تجْتَمِعْ (٢٠) الصَّحابةُ على تَرْكِ الأفْضَلِ، والاشْتِغالِ بالأدْنَى، ومن العَجَبِ أَنَّ مَنْ يُفَضّلُ التخَلِّىَ لم يَفْعَلْه، فكيف أجْمَعُوا (٢١) على النِّكاحِ فى فِعْلِه، وخالَفُوه فى فَضْلِه! أفَما (٢٢) كان فيهم مَنْ يَتْبَعُ الأفْضَلَ عنده ويعملُ بالأَوْلَى (٢٣)؟ ولأنَّ مَصالِحَ النكاحِ أكثرُ، فإنَّه يشْتَمِلُ على تَحْصينِ الدِّينِ، وإحْرازِه، وتحْصِينِ المرأةِ وحِفْظِها، والقيامِ بها، وإيجادِ النَّسْلِ، وتكْثيرِ الأُمَّةِ، وتَحْقيقِ مُباهاةِ النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وغيرِ ذلك من المصالحِ الرّاجِحِ أحدُها على نفْلِ العبادةِ، فمَجْموعُها (٢٤) أَوْلَى. وقد رَوْينا فى أخْبارِ المُتَقدِّمِينَ، أَنَّ قومًا ذَكَرُوا لنَبِىٍّ لهم فَضْلَ عابدٍ لهم، فقال: أما إنَّه لتارِكٌ لشىءٍ من السُّنةِ، فبَلَغ العابدَ، فأتى النَّبِىَّ، فسأَلَه عن ذلك، فقال: إنَّك ترَكْتَ التَّزْوِيجَ. فقال: يا نَبِىَّ اللَّه، وما هو إلَّا هذا! فلما رأى النَّبِىُّ احْتِقارَه لذلك، قال: أُرأيتَ لو تَرَكَ الناسُ كلُّهُم التَّزويجَ مَن كان يقومُ بالجِهادِ، ويَنْفِى العَدُوَّ، ويقومُ بفرائضِ اللَّهِ تعالى وحُدُودِه؟ وأمَّا ما ذُكِرَ عن يحيى، فهو شَرْعُه، وشَرْعُنا وارِدٌ بخِلافِه، فهو أوْلَى. والبَيْعُ لا يشْتَمِلُ على مصالحِ النِّكاحِ، ولا يُقَارِبُها. القسم الثالث، مَنْ لا شَهْوةَ له، إمَّا لأنَّه لم يُخْلَقْ له شَهْوةٌ كالعِنِّينِ، أو كانت له شهوةٌ فذَهَبَتْ بكِبَرٍ أو مَرَضٍ ونحوِه، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، يُسْتَحَبُّ له النكاحُ؛ لعُمُوم ما ذَكَرْنا. والثانى، التخلِّى له أفْضَلُ؛ لأنَّه (٢٥) لا يُحَصلُ مَصالحَ النِّكاحِ، ويَمْنَعُ زَوْجَتَه من التَّحْصِينِ بغيرِه، ويُضِرُّ بها، ويَحْبِسُها (٢٦) على نفسِه، ويُعَرضُ نَفْسَه لواجِباتٍ وحقوقٍ لعلَّه لا يتمَكَّنُ من القِيام


(٢٠) فى الأصل: "تجمع".
(٢١) فى أ، ب، م: "اجتمعوا".
(٢٢) فى أ، ب، م: "فما".
(٢٣) فى أ، م: "بالأدنى".
(٢٤) فى الأصل، ب: "مجموعها". وفى أ، م: "بمجموعها". ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٢٥) فى الأصل: "فإنه".
(٢٦) فى م: "بحبسها".

<<  <  ج: ص:  >  >>