للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى التَّحْريمِ كسائرِ المُحَرِّماتِ. وأمَّا الآية فلم تَخْرُجْ مَخْرَجَ الشَّرْطِ، وإنَّما وَصَفَها بذلك تَعْرِيفًا (١٥) لها بغالبِ حالِها، وما خَرَجَ مَخْرَجَ الغالبِ لا يَصِحُّ التمسُّكُ بمَفْهُومِه. وإن لم يَدْخُلْ بالمَرْأَةِ لم تُحَرَّمْ عليه بناتُها، فى قولِ عامَّةِ عُلَماءِ الأمْصارِ إذا بانَتْ من نِكَاحِه، إلَّا أن تَمُوتَ قبلَ الدخولِ، ففيه روَايتان؛ إحْداهما، تَحْرُمُ ابْنَتُها. وبه قال زيدُ بن ثابتٍ. وهى اختيارُ أبى بكرٍ؛ لأنَّ الموتَ أُقِيمَ مُقامَ الدُّخُولِ فى تَكْمِيلِ العِدَّةِ والصَّداقِ، فيقومُ مَقامَه (١٦) فى تحريِم الرَّبِيبَةِ. والثانية: لا تَحْرُمُ. وهو قولُ علىٍّ، ومَذْهَبُ عامَّةِ العلماءِ. قال ابنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عوامُّ عُلَماءِ الأمْصارِ على (١٧) أَنَّ الرَّجُلَ إذا تزَوَّجَ المرأةَ، ثم طَلَّقَها، أو ماتتْ قبلَ الدُّخولِ بها، حَلَّ (١٨) له أن يتزوَّجَ ابْنَتَها. كذلك قال مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزَاعىُّ، والشافعىُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، ومَنْ تَبِعَهُم؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}. وهذا نَصٌّ لا يترَكُ لقِياسٍ ضعيفٍ، وحديثِ عبدِ اللَّه ابن عَمْرٍو، وقد ذكرْناه، ولأنَّها فُرْقة قبلَ الدُّخولِ، فلم تحَرِّم الرَّبِيبةَ، كفُرْقةِ الطَّلاقِ، والموتُ لا يَجْرِى مَجْرَى الدُّخولِ فى الإِحْصانِ والإِحْلالِ وعِدَّةِ الأقراءِ، وقيامُه مَقامَه من وَجْهٍ ليس بأَوْلَى من مُفَارَقَتِه إيَّاه من وَجْهٍ آخَرَ، ولو قام مَقامَه من كلِّ وَجْهٍ، فلا يترَكُ صَرِيحُ نَصِّ اللَّه تعالى ونَصِّ رَسُولِه لقياس ولا غيرِه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الدخولَ بها هو وَطْؤُها، كُنِىَ عنه بالدُّخولِ، فإن خَلَا بها ولم يَطَأْها، لم تَحْرُم ابْنَتُها؛ لأنّها غيرُ مَدْخُولٍ بها. وظاهرُ قولِ (١٩) الْخِرَقِىِّ تَحْرِيمُها؛ لقولِه: فإن خَلَا بها وقال: لم أطَأْها. وصَدَّقَتْه، لم يُلْتَفَتْ إلى قَوْلِهما (٢٠)، وكان حُكْمُها حكمَ المَدْخُولِ (٢١) فى


(١٥) فى الأصل: "تعريفها".
(١٦) فى الأصل: "مقامها".
(١٧) سقط من: أ، ب، م.
(١٨) فى م: "جاز".
(١٩) فى الأصل: "كلام".
(٢٠) فى الأصل، م: "قولها".
(٢١) فى أ، ب، م: "الدخول".

<<  <  ج: ص:  >  >>