للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَنُقِلَ، ولم يَجُز التَّوَاطُؤُ على كِتْمَانِهِ، مع دُعَاءِ الحاجَةِ إليه، ولذلِك لَمَّا كان بعضُ أزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- معه في الخَمِيلَةِ، فجَاءَهَا الدَّمُ، فانْسَلَّتْ مِنَ الخَمِيلَةِ، فقال لها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَالَكِ؟ أنَفِسْتِ (١٣)؟ " قالتْ: نعم. فأَمَرَها أنْ تَأْتَزِرَ (١٤). ولم يَسْألها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل وَافَقَ العادَةَ أو جاء قبلَها؟ ولا هي ذَكَرَتْ ذلك، ولا سَأَلَتْ عنه، وإنَّما اسْتَدَلتْ على الحَيْضَةِ بِخُرُوجِ الدَّمِ، فأقَرَّها عليهِ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذلك حين حاضَتْ عائشةُ في عُمْرَتِها في حَجَّةِ الوَدَاعِ (١٥)، إنَّما عَلِمَتِ الحَيْضَةَ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ لا غير، ولم تَذْكُرْ عادةً، ولا ذَكَرَها لها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والظَّاهِرُ أنَّه لم يأْتِ في العَادَةِ؛ لأنَّ عائشةَ اسْتَكْرَهَتْهُ، واشْتَدَّ عليها، وبَكَتْ حينْ رَأتْه، وقالتْ: وَدَدْتُ أنِّى لم أكُنْ حَجَجْتُ العَامَ. ولو كانتْ (١٦) لها عَادَةٌ تَعْلَمُ مَجِيئَه فيها وقد جاءَ فيها، ما أنْكَرَتْه، ولا صَعُبَ عليها، ولو كانت العادَةُ مُعْتَبَرةً، على الوَجْهِ المَذْكُورِ في المَذْهَبِ، لَبَيَّنَهُ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُمَّتِه، ولَمَا وَسِعَهُ تَأْخِيرُ بَيَانِه، إذْ لا يجوزُ تَأْخِيرُ البَيَانِ عن وَقْتِه، وأَزوَاجُهُ وغَيْرُهُنَّ مِن النِّساءِ يَحْتَجْنَ إلى بَيانِ ذلك في كُلِّ وَقْتٍ، فلم يكنْ لِيُغْفِلَ بَيانَه، وما جاءَ عنه عليه السَّلَامُ ذِكْرُ العادَةِ، ولا بَيَانُها، إلَّا في حَقِّ المُسْتَحَاضَةِ لا غيرُ، وأمَّا امْرَأةٌ طَاهِرٌ تَرَى الدَّمَ في وَقْتٍ يُمْكِنُ أنْ يكونَ حَيْضًا ثم يَنْقَطِعُ عنها، فلم يَذْكُرْ في حَقِّها عادَةً أصْلًا، ولأنَّنا لو اعْتَبَرْنا التَّكْرَارَ فيما خَرَجَ عن العادَةِ أدَّى


(١٣) بفتح النون وضمها، أي: أحِضْتِ.
(١٤) حديث أم سلمة أخرجه البخاري، في: باب من سمى النفاس حيضا، وباب النوم مع الحائض في ثيابها، وباب من أخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر، من كتاب الحيض، وفى: باب القبلة للصائم، من كتاب الصوم. وفى: باب من ذبح ضحية غيره، من كتاب الأضاحى. صحيح البخاري ١/ ٨٣، ٨٨، ٣/ ٣٩، ١٣٢. ومسلم، في باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد، من كتاب الحيض ١/ ٢٤٣. والنسائي، في: باب مضاجعة الحائض، من كتاب الطهارة، وفى: باب مضاجعة الحائض في ثياب حيضها، من كتاب الحيض. المجتبى ١/ ١٢٣، ١٥٤. وابن ماجه، في: باب ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ٢٠٩. والدارمى، في: باب مباشرة الحائض، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي ١/ ٢٤٣. والإمام مالك، في: باب ما يحل للرجل من امرأته وهى حائض، من كتاب الطهارة. الموطأ ١/ ٥٨. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٣٩٤، ٣٠٠، ٣١٨.
(١٥) تقدم في صفحة ٢٩٩، ٣٠٠.
(١٦) في م زيادة: "تعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>