للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد اللهِ: ولا يُعْجِبُنِى أنْ يَأْتِيَها زَوْجُها فِي الأيَّامِ التي تُصَلِّى فيها؛ لأنَّنا لا نَأْمَنُ كَوْنَها حَيْضًا، وإنَّما تُصَلِّى وتَصُومُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ، وتَرْكُ الوَطْءِ احْتِيَاطًا أيضًا، فيَجِبُ كما تَجِبُ الصَّلَاةُ. وإنْ تَجَاوَزَتِ الزِّيَادَةُ أكثرَ الحَيْضِ، فهى اسْتِحَاضةٌ، ولا تَجْلِسُ غيرَ أيَّامِ العادَةِ بِكُلِّ حَالٍ. ومِثالُ ذلك امْرَأَةٌ عادَتُها ثلاثةُ أيَّامٍ في أوَّلِ كُلِّ شهرٍ، فرَأَتْ خمسةً في أوَّلِ الشهرِ، أو رَأَتْ يَوْمَيْن مِن آخِرِ الشهر الذي قبلَه، والثلاثةَ المُعْتادَة، أو طَهُرَت الثلاثةَ، ورَأَتْ ثلاثةً (٩) أو أكثرَ منها، أو أقلَّ، قَبْلَها أو بَعْدَها، أو طَهُرَت اليومَ الأوَّلَ ورَأتْ ثلاثةً بَعْدَهُ أو أكثرَ (١٠)، أو طَهُرَتْ يَوْمَيْنِ ورَأَتْ يَوْمَيْنِ بَعْدَهما أو أكثرَ (١٠) أو رَأَتِ الدَّمَ يَوْمَيْنِ في آخِرِ الشَّهرِ ويومًا في أوَّلِه، وما أَشْبَهَ ذلك، فإنَّها لا تَجْلِسُ في جَمِيعِ هذه الصُّوَرِ، ماعدا الأَوَّلَ مِن الشَّهرِ حتى تَتَكَرَّرَ، لِقَوْلِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجْلِسِى قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ (١١) ". ولأنَّ لها عَادَةً، فرُدَّتْ إليها، كالمُسْتَحَاضَةِ. وقال أبو حنيفةَ: ما رَأَتْه قبلَ العادَةِ ليس بِحَيْضٍ، حتى يَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْن، وما تَرَاهُ بعدَها فهو حَيْضٌ. وقال الشَّافِعِىُّ: جمِيعُه حَيْضٌ، ما لم تَتَجَاوَزْ أكثرَ الحَيْضِ. وهذا أقْوَى عِنْدِى؛ لأنَّ عائشةَ، رَضِىَ اللَّه عنها، كانتْ تَبْعَثُ إليها النِّسَاءُ بالدِّرَجَةِ فيها الصُّفْرَةُ والكُدْرَةُ، فتقولُ: لَا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البيضاءَ (١٢). ومعناه لا تَعْجَلْنَ بالغُسْلِ حتى يَنْقَطِعَ الدَّمُ، وتذهبَ الصُّفْرَةُ والكُدْرَةُ، ولا يَبْقَى شيءٌ يَخْرُجُ مِن المَحَلِّ، بحيث إذا دَخَلَتْ فيه قُطْنَةٌ خرجتْ بيضاءَ. ولو لم تَعُدّ الزِّيَادَةَ حَيْضًا لَلَزِمَها الغُسْلُ عندَ انْقِضاءِ العادَةِ، وإنْ كان الدَّمُ جارِيًا؛ لأنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ على الحَيْضِ أحْكَامًا، ولم يَحُدَّهُ، فَعُلِمَ أنَّه رَدَّ النَّاسَ فيه إلى عُرْفِهم، والعُرْفُ بينَ النِّسَاءِ أنَّ المَرْأةَ متى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ أنْ يكونَ حَيْضًا، اعْتَقَدَتْهُ حَيْضًا، ولو كانَ عُرْفُهُنَّ اعْتِبَارَ العادَةِ على الوَجْهِ المَذْكُورِ


(٩) في م زيادة: "بعده" ولا محل له بعد قوله الآتى "قبلها أو بعدها".
(١٠) في م زيادة: "منها".
(١١) تقدم في صفحة ٣٨٨.
(١٢) تقدم في صفحة ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>