للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وَجْهيْنِ. ومذهبُ الشَّافعىِّ على نحوٍ مِن هذا الفصلِ كلِّه.

فصل: وللزَّوجِ منعُها مِنَ الخُرُوجِ مِن منزلِه إلى مالَها منه بُدٌّ، سواءٌ أرادتْ زيارةَ والِدَيْها، أو عيادتَهُمَا، أو حضورَ جنازة أحدهِمَا. قال أحمدُ، فى امرأةٍ لها زوجٌ وَأمٌّ مريضةٌ: طاعةُ زَوْجِها أوْجَبُ عليها مِن أُمِّها، إلَّا أَنْ يأْذنَ لها. وقد رَوَى ابنُ بطَّةَ، فى "أحكامِ النِّساءِ"، عن أنسٍ، أَنَّ رجلًا سافرَ ومنعَ زوجتَه مِنَ الخروجِ، فمَرِضَ أبوها، فاسْتأذَنتْ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فى عيادةِ أبيها، فقال لها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتَّقِى اللَّه، ولا تُخالِفِى زَوْجَكِ". فمات أبوها، فاسْتأْذَنتْ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فى حُضُورِ جنازَتِه، فقال لها: "اتَّقِى اللَّهَ، ولا تُخالِفِى زَوْجَكِ". فأوْحَى اللَّهُ إلى النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّى قَدْ غَفَرْتُ لَهَا بِطَاعَةِ زَوْجِهَا" (٢٥). ولأنَّ طاعةَ الزَّوْجِ واجِبةٌ، والعيادةَ غيرُ واجبةٍ، فلا يجوزُ تركُ الواجبِ لما ليسَ بواجبٍ؛ ولا يجوزُ لها الخروجُ الا بإذْنِه، لكنْ لا ينْبَغى للزَّوْجِ منعُها من عيادةِ والِدَيْها، وزيارتِهِما؛ لأنَّ فى ذلك قَطعة لهما، وحَمْلًا لزَوْجته على مُخالفتِه، وقد أمرَ اللَّهُ تعالى بالمُعاشَرةِ بِالمعروفِ، وليس هذا من المُعاشَرةِ بِالمعروفِ. وإِنْ كانت زوجتُه ذِمِّيَّةً، فلُه منعُها مِنَ الخُروجِ إلى الكَنِيسةِ؛ لأنَّ ذلك ليس بطاعةٍ، ولا نَفْعٍ. وإِنْ كانت مُسْلِمةً، فقال القاضى: له منعُها من الخُروجِ إلى المساجدِ. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ. وظاهرُ الحديثِ يمنعُه مِنْ منعِها؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ" (٢٦). ورُوِىَ أَنَّ الزُّبَيْرَ تزوَّجَ عاتِكَةَ بنتَ زيدِ بنِ عمرِو ابن نُفَيلٍ، فكانت تخرجُ إلى المساجدِ، وكان غَيُورًا، فيقولُ لها: لو صَلَّيْتِ فى بيتِك. فتقولُ: لا أزالُ أخْرُجُ أو تَمْنعُنى. فكَرِهَ مَنْعَها لهذا الخبرِ. وقال أحمدُ فى الرَّجُلِ تكونُ له المرأةُ أو الأمَةُ النَّصْرَانِيَّةُ يشترى لها زُنَّارًا؟ قال: لا بل تخرجُ هى تشترى لنفسِها. فقيل له: جاريتُه تعملُ الزَّنَانِيرَ؟ قال: لا.


(٢٥) ذكر الألبانى، أنه عند الطبرانى فى الأوسط. إرواء الغليل ٦/ ٧٦.
(٢٦) تقدم تخريجه فى: ٣/ ٣٨، ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>