للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُلْزِمُهما الإِنْصافَ، فإن لم يتهيَّأْ ذلك، وتمادَى الشَّرُّ بينهما، وخِيفَ الشِّقَاقُ عليهما والعِصيانُ، بعثَ الحاكمُ حَكمًا مِن أهلِه وحَكَمًا مِن أهلِها، فنظرَا بينهما، وفعلا ما يَرَيانِ المصلحةَ فيه، مِن جَمْعٍ أو تَفْريقٍ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (٢). واخْتَلفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رِحمَه اللَّه، فى الحَكَمَيْنِ، ففى إحْدَى الرِّوايتَيْنِ عنه، أنَّهما وكيلانِ لهما، لا يَمْلِكانِ التَّفريقَ (٣) إِلَّا بإذْنِهما. وهذا مذهبُ عَطاءٍ، وأحدُ قَوْلَى الشَّافعىِّ. وحُكِىَ ذلك عن الحسنِ، وأبى حنيفةَ؛ لأنَّ البُضْعَ حقُّه، والمالَ حقُّها، وهما رَشِيدانِ، فلا يجوزُ لغيرِهِمَا التَّصرُّفُ فيه إلَّا بوَكالةٍ منهما، أو وِلَايةٍ عليهما. والثَّانيةُ، أنَّهما حاكمانِ، ولهما أَنْ يفْعَلا ما يَرَيانِ مِن جَمْعٍ وتَفْريقٍ، بعِوَضٍ وغيرِ عِوَضٍ، ولا يَحْتاجانِ إلى تَوْكيلِ الزَّوْجيْنِ ولا رِضاهُمَا. ورُوِىَ نحوُ ذلك عن عَلىٍّ، وابنِ عبَّاسٍ، وأبى سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، ومالكٍ، والأَوْزَاعِىِّ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}. فسمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، ولم يَعْتَبِرْ رِضَى الزَّوجَيْن، ثم قال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا}. فخاطبَ الحَكَميْنِ بذلك. ورَوَى أبو بكرٍ، بإسْنادِه عن عَبِيدَةَ السَّلْمَانِىِّ، أَنَّ رجلًا وامرأةً أتَيا عليًّا، مع كل واحدٍ منهما فِئَامٌ (٤) مِنَ النَّاسِ، فقال علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: ابعَثُوا حَكَمًا مِن أهلِه، وحكمًا من أهلِها، فبعَثُوا حكميْنِ، ثم قال علىٌّ للحكميْنِ: هل تَدْرِيانِ ما عليكُما مِنَ الحقِّ (٥)؟ إنْ رأيتُمَا أن تَجْمَعَا جمعْتُمَا، وإن رأيتُما أن تُفَرِّقَا فرَّقْتُمَا. فقالتِ المرأةُ: رَضِيتُ بكتابِ اللَّهِ عَلَىَّ ولِى. فقال الرجل: أمَّا الفُرْقَةُ فلا. فقال علىٌّ: كَذَبْتَ حتى تَرْضَى بما رَضِيَتْ به (٦). وهذا يدلُّ على أنَّه أجْبرَه


(٢) سورة النساء ٣٥.
(٣) فى ب، م زيادة: "لهما".
(٤) فئام من الناس: جماعة منهم.
(٥) فى ب، م زيادة: "عليكما من الحق".
(٦) أخرجه الدارقطنى، فى: باب المهر، من كتاب النكاح. سنن الدارقطنى ٣/ ٢٩٥. وعبد الرزاق، فى: باب =

<<  <  ج: ص:  >  >>