للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (٩). [ومَن جمعَ الثَّلاثَ لم يَبْقَ له أمرٌ يَحْدثُ، ولا يجْعَلُ اللَّهُ له مخرجًا ولا مِن أمْرِه يُسْرًا] (١٠). ورَوى النَّسائى (١١)، بإسنادِه عن محمودِ بنِ لَبِيدٍ قال: أُخْبرَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن رجلٍ طلَّقَ امرأتَه ثلاثَ تطليقاتٍ جميعًا، فغَضِبَ، ثم قال: "أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ ". حتى قامَ رجلٌ فقال: يا رسولَ اللَّه، ألَا أقْتُلُه. وفى حديثِ ابنِ عمرَ قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ لو طلَّقْتُها ثلاثًا؟ قال: "إذًا عَصَيْتَ رَبَّكَ، وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ" (١٢). ورَوَى الدَّارَقُطنىُّ (١٣)، بإسْنادِه عن عَلِىٍّ، قال: سمعَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا طلُّقَ امْرَأتَه (١٤) ألْبَتَّةَ، فغَضِبَ، وقال: "تَتَّخِذُونَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، أَوْ دِينَ اللَّهِ هُزُوًا أو لَعِبًا (١٥)؟ مَنْ طَلَّقَ البَتَّةَ أَلْزَمْنَاهُ ثَلاثًا، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ". ولأنَّه تَحْريمٌ للبُضْعِ بقولِ الزَّوجِ من غيرِ حاجةٍ، فحُرِّمَ كالظِّهَارِ، بل هذا أوْلَى؛ لأنَّ الظِّهارَ يَرْتفعُ تحْرِيمُه بالتَّكفيرِ، وهذا لا سبيلَ للزَّوجِ إلى رَفْعِه بحالٍ، ولأنَّه ضَرَرٌ وإضرارٌ بنَفْسِه وبامْرأتِه من غيرِ حاجةٍ، فيَدْخُلُ فى عُمومِ النَّهْى، ورُبَّما كان وسيلةً إلى عَوْدِه إليها حَرامًا، أو بحِيلَةٍ لا تُزيلُ التَّحريمَ، ووقوعِ النَّدمِ، وخَسارةِ الدُّنيا والآخرةِ، فكان أوْلَى بالتَّحريمِ مِنَ الطَّلاقِ فى الحَيْضِ، الذى ضَرَرُه بَقاؤُها فى العِدَّةِ أيامًا يَسِيرةً، أو الطَّلاقِ فى طُهرٍ مَسَّها فيه، الذى ضَررُه احتْمالُ النَّدمِ بظُهورِ الحملِ؛ فإنَّ ضَرَرَ جَمْعِ الثَّلاثِ يَتضاعفُ على ذلك أضْعافًا كثيرةً، فالتَّحْريمُ ثَمَّ تَنْبِيهٌ على التَّحريمِ ههُنا، ولأنَّه قولُ مَن سمَّينا من الصَّحابةِ، رَوَاه الأثرمُ وغيرُه، ولم يَصِحَّ عنَدنا فى عَصْرِهم خِلافُ قولِهم، فيكونُ ذلك إجماعًا.


(٩) سورة الطلاق ٤.
(١٠) سقط من: الأصل. نقل نظر.
(١١) فى: باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ، من كتاب الطلاق. المجتبى ٦/ ١١٦.
(١٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٢٧.
(١٣) فى: كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره. سنن الدارقطنى ٤/ ٢٠.
(١٤) سقط من: أ، ب، م.
(١٥) فى أ: "ولعبا".

<<  <  ج: ص:  >  >>