للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا حديثُ المُتلاعِنَيْنِ فغيرُ لازمٍ؛ لأنَّ الفُرْقَةَ لم تَقَعْ بالطَّلاقِ، فإنَّها وقَعتْ بِمُجرَّدِ لِعَانِهما. وعندَ الشَّافعىِّ بمُجرَّدِ لِعانِ الزَّوجِ، فلا حُجَّةَ فيه. ثم إنَّ اللعانَ يُوجِبُ تَحْريمًا مؤبَّدًا، فالطَّلاقُ بعدَه كالطَّلاقِ بعدَ انْفساخِ النِّكاحِ بالرَّضاعِ أو غيرِه، ولأنَّ جَمْعَ الثَّلاثِ إنَّما حَرُمَ لما يَعْقُبُه (١٦) مِنَ النَّدمِ، ويَحصُلُ به مِنَ الضَّرَرِ، ويَفُوتُ عليه مِن حِلِّ نكاحِها، ولا يَحصُلُ ذلك بالطَّلاقِ بعدَ اللِّعَانِ، لحُصولِه باللِّعانِ، وسائرُ الأحاديثِ لم يَقعْ فيها جَمْعُ الثَّلاثِ بينَ يَدَى النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيكون مُقِرًّا عليه، ولا حضرَ المُطَلِّقُ عندَ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أُخْبِرَ بذلك لِيُنْكِرَ عليه. على أنَّ حديثَ فاطمةَ، قد جاء فيه أنَّه أرْسلَ إليها بتَطْليقةٍ كانت بَقِيَتْ لها مِن طلاقِها، وحديثُ امرأةِ رفاعةَ جاء فيه أنَّه طلَّقَها آخِرَ ثلاثِ تَطْليقاتٍ، مُتَّفَقٌ عليه، فلم يَكُنْ فى شىءٍ مِن ذلك جَمْعُ الثَّلاثِ، ولا خلافَ بين الجميعِ فى أَنَّ الاخْتِيارَ والأوْلَى أن يُطلِّقَ واحدةً، ثم يَدعَها حتى تَنْقضِىَ عِدَّتُها، إلا ما حَكَيْنا من قولِ مَنْ قال: إنَّه يُطَلِّقُها فى كلِّ قَرْءٍ طَلْقةً. والأوَّلُ أوْلَى؛ فإنَّ فى ذلك امْتثالًا لأمرِ اللَّهِ سبحانه، ومُوَافقةً لقولِ السَّلَفِ، وأمْنًا مِنَ النَّدمِ، فإنَّه متى نَدِمَ راجعَها، فإن فاتَه ذلك بانْقِضاءِ عِدَّتِها، فله نكاحُها. قال محمدُ بنُ سِيرِينَ: إنَّ عليًّا كرَّم اللَّهُ وجهَه، قال: لو أَنَّ النَّاسَ أخَذُوا بما أمرَ اللَّه مِنَ الطَّلاقِ، ما يُتْبِعُ رجلٌ نفسَه امرأةً أبدًا، يُطَلِّقُها تَطْليقةً ثم يَدعُها، ما بينها وبين أن تَحِيضَ ثلاثًا، فمتى شاءَ راجعَها. روَاه النَّجَّادُ بإسْنادِه (١٧). وعن عبدِ اللَّهِ قال: مَن أرادَ أن يُطَلِّقَ الطَّلاقَ الذى هو الطَّلاقُ، فليُمْهِلْ، حتى إذا حاضَتْ ثم طَهُرَتْ، طلَّقَها تَطْليقةً فى غيرِ جِمَاعٍ، ثم يَدعُها حتى تَنْقَضِىَ عِدَّتُها (١٨)، ولا يُطلِّقْها ثلاثًا وهى حامِلٌ، فيجْمَعُ اللَّه عليه نَفقتَها وأجرَ رَضاعِها، ويُندِمُه اللَّهُ، فلا يَستطيعُ إليها سبيلًا (١٩).


(١٦) فى الأصل: "يتعقبه".
(١٧) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٢٧.
(١٨) سقط من: الأصل.
(١٩) أخرج ابن أبى شيبة نحوه، فى: باب ما قالوا فيه إذا طلقها وهى حامل؟ من قال عليه النفقة، من كتاب الطلاق. المصنف ٥/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>