للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو أنتِ مُسَرَّحَةٌ. فمَنْ رَآهُ (١٤) صريحًا أوقعَ به الطَّلاقَ مِن غيرِ نِيَّةٍ، ومَن لم يَرَهُ صريحًا لم يُوقِعْه به، إلَّا أن يَنْوِيَه. فإن قال: أردتُ بقَوْلِى: فارقتُكِ أى بجسْمِى، أو بقلبى أو بمَذْهبِى، أو سَرَّحتُك منِ يَدِى، أو شُغْلِى، أو من حَبْسِى، أو أى سَرَّحْتُ شعرَك. قُبِلَ قولُه. وإن قال: أردتُ بقولى: أنت طالقٌ. أى مِن وَثاقِى. أو قال: أردتُ أن أقول: طلبتُك. فسَبَقَ لسانى، فقلتُ: طَلَّقْتُكِ. ونحو ذلك، دِينَ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ تعالى، فمتى عَلِمَ مِن نفسِه ذلك، لم يَقعْ عليه فيما بينَه وبين ربِّه. قال أبو بكرٍ: لا خِلافَ عن أبى عبدِ اللَّه، أنَّه إذا أرادَ أن يقولَ لزَوْجتِه: اسْقِينى ماءً. فسبقَ لسانُه فقال: أنتِ طالقٌ، أو أَنتِ حُرَّةٌ. أنَّه لا طلاقَ فيه. ونقلَ ابنُ منصورٍ عنه، أنَّه سُئِلَ عن رجلٍ حَلَفَ، فجَرى على لسانِه غيرُ ما فى قلِبه، فقال: أرْجُو أن يكونَ الأمرُ فيه واسعًا. وهل تُقبَلُ دعواه فى الحُكْمِ؟ يُنظَرُ؛ فإن كان فى حالِ الغضب، أو سُؤالِها الطَّلاقَ، لم يُقبَلْ فى الحُكمِ؛ لأنَّ (١٥) لَفْظَه ظاهرٌ فى الطَّلاقِ، وقَرينةُ حالِه تَدلُّ عليه، فكانت دَعْواه مُخالِفةً للظَّاهرِ من وجهيْنِ، فلا تُقبَلُ، وإن لم يَكُنْ فى هذه الحالِ، فظاهرُ كلامِ أحمدَ، فى روايةِ ابنِ منصورٍ، وأبى الحارثِ، أنَّه يُقبَلُ قولُه. وهو قولُ جابرِ (١٦) بنِ زيدٍ، والشَّعْبِىِّ، والحَكَمِ، حَكاه عنهم أبو حفصٍ؛ لأنَّه فسَّرَ كَلامَه بما يَحْتمِلُه احتمالًا غيرَ بعيدٍ، فقيل: كما لو (١٧) قال؛ أنتِ طالقٌ، أنتِ طالقٌ. وقال: أردتُ بالثَّانيةِ إفْهامَها. وقال القاضى: فيه روَايتانِ، هذه التى ذكرْنا، قال: وهى ظاهرُ كلامِ أحمدَ. والثَّانيةُ، لا يُقبَلُ. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه خلافُ ما يَقْتضيه الظَّاهرُ فى العُرفِ، فلم يُقبَلْ فى الحُكمِ، كما لو أقرَّ بعشرةٍ، ثم قال: زُيُوفًا، أو صِغارًا، أو إلى شهرٍ. فأمَّا إن صرَّحَ بذلك فى اللَّفظِ، فقال: طَلَّقتُك مِن وَثاقِى، أو فارقتُك بجسمِى، أو سرَّحتُك مِن يَدِى. فلا شكَّ فى أَنَّ الطَّلاقَ لا يَقعُ؛ لأنَّ ما يَتَّصِلُ بالكلامِ يَصْرِفُه عن مُقْتضاه،


(١٤) فى ب، م: "يراه".
(١٥) فى النسخ: "لأنه".
(١٦) سقط من: أ.
(١٧) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>