للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثرُ الرِّواياتِ عن أبى عبدِ اللَّهِ، كَراهيةُ الفُتْيا فى هذه الكناياتِ، مع مَيْلِه إلى أنَّها ثلاثٌ، وحَكَى ابنُ أبى موسى، فى "الإِرْشادِ" عنه روايتيْنِ؛ إحْداهما، أنَّها ثلاثٌ. والثَّانيةُ، يُرْجَعُ إلى ما نَواه. اختارَها أبو الخَطَّابِ. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ، قال: يُرْجَعُ إلى ما نَوَاهُ (٢)، فإن لم يَنْوِ شيئًا وقَعتْ واحدةٌ. ونحوُه قولُ النَّخَعِىِّ، إلَّا أنَّه قال: يَقَعُ طلقةٌ بائنةٌ؛ لأنَّ لفظَه يَقْتَضِى البَيْنُونةَ، ولا يَقْتضِى عَدَدًا. ورَوَى حَنْبَلٌ، عن أحمدَ، ما يَدلُّ على هذا؛ فإنَّه قال: يَزِيدُها فى مهرِها إن أرادَ رَجْعتَها. ولو وقَعَ ثلاثًا لم يُبَحْ له رَجْعتُها، ولو لم تَبِنْ لم يَحْتَجْ إلى زيادهٍ فى مَهْرِها. واحتجَّ الشّافعىُّ بما رَوَى أبو داودَ (٣) بإسنادِه، أنَّ رُكَانَةَ بنَ عبدِ يَزِيدَ طلَّقَ امرأتَه سُهَيْمَةَ الْبتَّةَ، فأخْبَرَ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، وقال: واللَّه ما أردتُ إلَّا واحدةً. فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آللَّه ما أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً؟ " فقال رُكانةُ: آللَّهِ ما أردتُ إلَّا واحدةً. فردَّها إليه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فطلَّقَها الثّانيةَ فى زمنِ عمرَ، والثَّالثةَ فى زمنِ عثمانَ. قال علىُّ بنُ محمدٍ الطَّنَافِسِىُّ: ما أشْرفَ هذا الحديثَ. ولأنّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لابنةِ الْجَوْنِ: "الْحَقِى بِأَهْلِكِ" (٤). ولم يَكُنِ النَّبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليُطَلِّقَ ثلاثًا وقد نَهَى أُمَّتَه (٥) عن ذلك، ولأنَّ الكناياتِ مع النِّيَّةِ كالصَّريحِ، فلم يَقَعْ به عندَ الإِطْلاقِ أكثرُ مِن واحدةٍ، كقوله: أنتِ طالقٌ. وقال الثَّورِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ: إن نَوَى ثلاثًا فثلاثٌ، وإن نَوَى اثنتَيْنِ أو واحدةً وقَعت واحدةٌ، ولا يَقعُ اثنتان؛ لأنَّ الكنايةَ تَقْتضِى البَيْنُونةَ دونَ العَدَدِ، والبَيْنُونةُ بَيْنُونَتانِ صُغْرَى وكُبْرَى، فالصُّغْرَى بالواحدةِ، والكُبْرَى بالثَّلاثِ، ولو أوْقَعْنا اثنَتيْنِ كان مُوجِبُه العَدَدَ، وهى لا تَقْتضِيه. وقال رَبيعةُ،


(٢) فى أ، ب، م: "نوى".
(٣) فى: باب فى البتة، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود ١/ ٥١١.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى الرجل يطلق امرأته البتة، من كتاب الطلاق. عارضة الأحوذى ٥/ ١٣١، ١٣٢. وابن ماجه، فى: باب طلاق البتة، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٦٦١.
(٤) أخرجه البخارى، فى: باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، من كتاب الطلاق. صحيح البخارى ٧/ ٥٣. والنسائى، فى: باب مواجهة الرجل المرأة بالطلاق، من كتاب الطلاق. المجتبى ٦/ ١٢٢. وابن ماجه، فى: ياب ما يقع به الطلاق من الكلام، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٦٦١. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٣٣٩.
(٥) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>