للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدةً بالمباشِرةِ، ويَلْغُو المُعَلَّقُ؛ لأنَّه طلاقٌ فى زمنٍ ماضٍ، فلا يُتَصَوَّرُ وُقوعُ الطَّلاقِ فيه. وهو قياسُ نصِّ أحمدَ وأبى بكرٍ، فى أَنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ فى زمنٍ ماضٍ، وبه قال أبو العبَّاس ابنُ الْقَاصِّ (١٥) مِن أصحابِ الشّافعىِّ. وقال أبو العبَّاس ابنُ سُرَيْجٍ، وبعضُ الشّافعيَّةِ: لا تَطْلُقُ أبدًا؛ لأنَّ وُقوعَ الواحدةِ يَقْتضِى وقوعَ ثَلاثٍ قبلَها، وذلك يَمْنعُ وُقوعَها، فإثْباتُها يُؤدِّى إلى نَفْيِها، فلا تَثْبُتُ، ولأنَّ إيقاعَها يُفْضِى (١٦) إلى الدَّوْرِ؛ لأنَّها إذا وقَعتْ وقَعَ قبلَها ثلاثٌ، فيَمْتنعُ وُقوعُها، وما أفْضَى إلى الدَّوْرِ وجبَ قطعُه من أصْلِه (١٧). ولَنا، أنَّه (١٨) طلاقٌ من مُكلَّفٍ مُختارٍ، فى مَحَلٍّ لِنِكاحٍ صحيحٍ، فيَجِبُ أن يَقَعَ، كما لو لم يَعْقِدْ هذه الصِّفَةَ، ولأنَّ عُموماتِ النُّصوصِ تَقْتَضِى (١٩) وُقوعَ الطَّلاقِ، مثلُ قولِه سبحانَه: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٢٠). وقولِه سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (٢١). وكذلك سائرُ النُّصوصِ، ولأنَّ اللَّهَ تعالى شَرَعَ الطَّلاقَ لمصْلحةٍ تَتَعَلَّقُ به، وما ذكَرُوه يَمْنَعُه بالكُلِّيَّةِ، ويبطِلُ شَرْعِيَّتَه، فتفُوتُ مصلحتُه، فلا يَجوزُ ذلك بمُجرَّدِ الرَّأْىِ والتَّحَكُّمِ، وما ذكَروه غيرُ مُسَلَّمٍ؛ فإنَّا (٢٢) إن قُلْنا: لا يَقعُ الطَّلاقُ المُعَلَّقُ، فله وَجْهٌ؛ لأنَّه أوْقعَه فى زمنٍ ماضٍ، ولا يُمْكِنُ وُقوعُه فى الماضى، فلم يَقعْ، كما لو قال: أنتِ طالقٌ قبلَ قدومِ زيدٍ بيومٍ. فقَدِمَ فى اليومِ، ولأنَّه جعلَ الطَّلْقةَ الواقعةَ شَرْطًا لوُقوعِ الثَّلاثِ، ولا يُوجَدُ المشْروطُ قبلَ شرطِه، فعلى هذا لا يَمتنِعُ وقوعُ الطلقةِ المُباشِرَةِ، ولا يُفْضِى إلى


(١٥) فى النسخ: "ابن القاضى".
وهو أبو العباس أحمد بن أبى أحمد الطبرى، وتقدم فى: ٧/ ٢٨٣.
(١٦) فى أ: "يؤدى".
(١٧) فى الأصل، ب، م: "أصلها".
(١٨) سقط من: الأصل.
(١٩) فى ب، م: "عموم".
(٢٠) سورة البقرة ٢٣٠.
(٢١) سورة البقرة ٢٢٨.
(٢٢) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>