للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وكُلْ أنْتَ وعِيالُكَ بَقِيَّتَهَا". فَرَجَعْتُ إلى قومى، فقلتُ: وَجَدْتُ عندَكمُ الضِّيقَ وسُوءَ الرَّأْىِ، ووَجدتُ عندَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- السَّعَةَ وحُسْنَ الرَّأْىِ، وقد أَمَرَ لى بصَدَقتِكُم.

فصل: وكلُّ زَوْجٍ صحَّ طلاقُه صحَّ ظِهارُه، وهو البالِغُ العاقِلُ، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا، حرًّا أو عبدًا. قال أبو بكرٍ: وظِهارُ السَّكْرانِ مَبْنِىٌّ على طلاقِه. قال القاضى: وكذلك ظِهارُ الصَّبِىِّ مَبْنِىٌّ على طَلاقِه. والصَّحيحُ أَنَّ ظِهارَ الصَّبِىِّ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّها يَمينٌ موجبةٌ للكفَّارةِ، فلم تَنْعَقِدْ منه، كاليمينِ باللَّهِ تعالى، ولأنَّ الكفَّارةَ وَجَبَتْ لما فيه من قَوْلِ المُنْكَرِ والزُّورِ، وذلك مرفوعٌ عن الصَّبِىِّ؛ لكَوْنِ القلمِ مرفوعًا عنه. وقد قيل: لا يَصِحُّ ظِهارُ العَبْدِ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (١٤). والعبدُ لا يَمْلِكُ الرِّقابَ. ولَنا، عُمومُ الآيةِ، ولأنَّه يَصِحُّ طلاقُه، فَصَحَّ ظِهارُه، كالحُرِّ. فأمَّا إيجابُ الرَّقبةِ، فإنَّما هو على مَنْ يَجِدُها، ولا يَبْقَى الظِّهارُ فى حقِّ مَنْ لا يَجِدُها، كالمُعْسِرِ، فَرْضُه الصِّيامُ. ويَصِحُّ ظِهارُ الذِّمِّىِّ. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وقال مالِكٌ، وأبو حَنِيفَةَ: لا يَصِحُّ منه؛ لأنَّ الكفَّارَةَ لا تَصِحُّ منه، وهى الرَّافِعَةُ للتَّحْريمِ، فلا يصحُّ منه التَّحرِيمُ، ودليلُ أَنَّ الكفَّارَةَ لا تصحُّ منه، أنَّها عبادةٌ تفتقرُ إلى النِّيَّةِ، فلا تصِحُّ منه، كسائِرِ العباداتِ. ولَنا، أَنَّ مَنْ صحَّ طلاقُه صحَّ ظهارُه، كالمسلمِ. فأمَّا ما ذكَرُوه فيَبْطُلُ بكفَّارَةِ الصَّيْدِ إذا قَتَلَه فى الحَرَمِ، وكذلك الحَدُّ يُقامُ عليه. ولا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّكْفِيرَ لا يصِحُّ منه؛ فإنَّه يصحُّ منه العِتْقُ والإِطْعامُ، وإنَّما لا يصِحُّ منه الصَّوْمُ (١٥)، فلا تمتنعُ صحَّةُ الظِّهارِ بامتناعِ بعضِ أنواعِ الكفَّارةِ، كما فى حقِّ العَبْدِ. والنِّيَّةُ إنَّما تُعْتَبَرُ لتَعْيِين الفِعْلِ للكفَّارةِ، فلا يَمْتَنِعُ ذلك فى حقِّ الكافِرِ، كالنِّيَّةِ فى كِناياتِ الطَّلاقِ. ومَنْ يُخْنَقُ (١٦) فى الأحْيانِ، يصحُّ ظهارُه فى إفاقَتِه، كما يصحُّ طَلاقُه فيه.


(١٤) سورة المجادلة ٣.
(١٥) فى أ، ب: "الصيام".
(١٦) الخُناق: داء يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرئة والقلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>