للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولُه: "وهُوَ يَنْظُرُ إلَيْه". يَعْنِى يَرَاه منه، فكما حَرَّمَ اللَّهُ على المرأةِ أَن تُدْخِلَ على قَوْمٍ مَن ليس منهم، حَرَّمَ على الرَّجُلِ جَحْدَ وَلَدِه. ولا يجوزُ قَذْفُها بخَبَرِ مَنْ لا يُوثَقُ بخَبَرِه؛ لأنَّه غيرُ مَأْمونٍ على الكذِبِ عليها، ولا برُؤْيَتهِ رَجُلًا خارجًا من عندِها من غيرِ أَن يَسْتَفِيضَ زِنَاها؛ لأنَّه يجوزُ أَن يكونَ دَخَلَ سارِقًا، أو هارِبًا، أو لحاجةٍ، أو لَغَرَضٍ فاسدٍ، فلم يُمْكِنْهُ، ولا لِاسْتفاضَةِ ذلك فى الناس من غيرِ قَرِينةٍ تَدُلُّ على صِدْقِهِم؛ لِاحْتِمالِ أَن يكونَ أعداؤُها أشاعُوا ذلك عنها. وفيه وَجْهٌ آخرُ، أنَّه يجوزُ؛ لأنَّ الاسْتِفاضةَ أقْوىَ من خَبَرِ الثِّقةِ. ولا بمُخالفةِ (٧) الوَلَدِ لَوْنَ والِدَيْه أو شَبَهِهما، ولا لِشَبَهِه بغيرِ والِدَيْه؛ لما رَوَى أبو هُرَيْرةَ قال: جاء رَجُلٌ من بَنِى فَزَارةَ إلى النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إنَّ امْرَأتِى جاءت بوَلَدٍ أسْوَدَ. يُعَرِّضُ بنَفْيِه، فقال له النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ " قال: نعم. قال: "فَمَا ألْوَانُها؟ ". قال: حُمْر. قال: "هَلْ فِيهَا مِنْ أوْرَقَ؟ ". قال: إنَّ فيها لَوُرْقًا (٨). قال: "فَأَنَّى أتَاهَا ذلِكَ؟ " قال: عَسَى أَن يكونَ نَزَعَه عِرْقٌ. قال: "فَهذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ (٩) نَزَعَهُ عِرْقٌ". قال: ولم يُرَخِّصْ له فى (١٠) الانْتِفاءِ منه. مُتَّفَقٌ عليه (١١). ولأنَّ الناسَ كُلَّهُم من آدَمَ وحَوّاءَ، وألْوانُهُم وخِلَقُهُم مُخْتَلِفةٌ، فَلولَا مُخالَفَتُهُم شَبَهَ والِدَيْهِم، لَكانوا على صِفَةٍ (١٢) واحدةٍ، ولأنَّ دَلَالَةَ الشَّبَهِ ضَعِيفَةٌ، ودلالةَ وِلَادَتِه على الفِرَاشِ قَويّةٌ، فلا يجوزُ تَرْكُ القَوِىِّ لمُعارَضَةِ الضعيفِ، ولِذلك لمَّا تنازَعَ سعدُ بن أبى وَقَّاصٍ، وعبدُ بن زَمْعةَ، فى ابْنِ وَلِيدةِ


=كما أخرجه النسائى، فى: باب التغليظ فى الانتفاء من الولد. المجتبى ٦/ ١٤٧. وابن ماجه، فى: باب من أنكر ولده، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه ٢/ ٩١٦. والدارمى، فى: باب من جحد ولده وهو يعرفه، من كتاب النكاح. سنن الدارمى ٣/ ١٥٣.
(٧) فى الأصل: "لمخالفة".
(٨) فى م: "أورقا".
(٩) فى أزيادة: "قد".
(١٠) سقط من: أ، ب، م.
(١١) تقدم تخريجه، فى: ٨/ ٣٧٢.
(١٢) فى أ، م: "خلقة".

<<  <  ج: ص:  >  >>