للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهما، فلا تتَداخَلُ، كسائرِ الأيْمانِ. وإن أقام البَيِّنَةَ بالأوَّلِ، سَقَطَ عنه مُوجَبُ الثانى؛ لأنَّه زال إحْصانُها، ولا لِعانَ إلَّا أن يكونَ فيه نَسَبٌ يرِيدُ نَفْيَه. وإن أقامَها بالثانِى لم يَسْقُطِ الحَدُّ الأوَّلُ، وله إسْقاطُه باللَّعانِ، إلَّا على قَوْلِ القاضِى، فإنَّه يَسْقُطُ بإقامةِ البَيِّنَةِ على الثانى. وإن قَذَفَها فى الزَّوْجِيَّةِ ولَاعَنَها ثم قَذَفَها بالزِّنَى الأوَّلِ، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّه قد حَقَّقَه بلِعَانِه، ويَحْتَمِلُ أن يُحَدَّ، كما لو قَذَفَها به (٤٩) أجْنَبِىٌّ. وهو قولُ القاضى. ولو قَذَفَها به أجْنَبِىٌّ، أو بزِنَى غيره، فعليه الحَدُّ، فى قول عامَّةِ أهلِ العلمِ، منهم ابنُ عباس، والزُّهْرِىُّ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وقَتادةُ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وأبو عُبَيْدٍ. وذكر أبو عُبَيْدٍ عن أصْحابِ الرَّأْىِ، أنَّهم قالوا: إن لم يَنْفِ بلِعانِها ولدًا، حُدَّ قاذِفُها، وإن نَفَاهُ، فلا حَدَّ على قاذِفِها؛ لأنَّه مُنْتَفٍ عن زَوْجِها بالشَّرْعِ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عباسٍ، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "مَنْ رَمَاهَا، أَوْ وَلَدَهَا، فعَلَيْهِ الحَدُّ". رواه أبو داودَ (٥٠). وهذا نَصٌّ، فإنَّه نَصَّ على من رَمَاها، مع أن وَلَدَها مَنْفِىٌّ عن المُلاعِنِ شَرْعًا، ولأنَّه لم يَثْبُتْ زِنَاها، ولا زَالَ إحْصانُها، فيَلْزَمُ قاذِفَها الحَدُّ بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (٥١). وكما لو لم يَنْفِ وَلَدَها. فأمَّا إنْ أقامَ (٥٢) بَيِّنَةً، فقَذَفَها قاذِفٌ بذلك الزِّنَى، أو بغيرِه، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّه قد زال إحْصانُها، ولأنَّ هذا القَذْفَ لم يُدْخِلِ الْمَعَرَّةَ عليها، وإنما دَخَلَتِ المَعَرَّةُ بقيامِ البَيِّنَةِ، ولكنَّه يُعَزَّرُ تَعْزِيرَ (٥٣) السَّبِّ والأذَى. وهكذا كلُ مَنْ قامتِ البَيِّنةُ بزِنَاهُ، لا حَدَّ على قاذِفِه. وبه قال الشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. ولكنَّه يُعَزَّرُ تَعْزِيرَ السَّبِّ والأذَى، ولا يَمْلِكُ الزَّوْجُ إسْقاطَه عن نَفْسِه باللَّعانِ؛ لما قَدَّمْناه. وإن قَذَفَ زَوْجَتَه


(٤٩) سقط من: الأصل.
(٥٠) تقدم تخريجه، فى: ٨/ ٣٧٣.
(٥١) سورة النور ٤.
(٥٢) فى م: "قام".
(٥٣) فى أ: "بتعزيز".

<<  <  ج: ص:  >  >>