للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّها عِدَّةٌ عن طَلاقٍ مُجَرَّدٍ مُباحٍ، فوَجَبَ أن يُعْتَبَرَ عَقِيبَ الطَّلاقِ، كَعِدّةِ (٢٠) الآيِسَةِ والصَّغِيرةِ (٢١) ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ} (٢٢). فنَقَلَهُنَّ عندَ عَدَمِ الحَيْضِ إلى الاعْتِدادِ بالأَشْهُرِ، فدَلَّ ذلك على أَنَّ الأصْلَ الحَيْضُ، كما قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} (٢٣). الآية، ولأنّ المَعْهُودَ فى لِسانِ الشَّرْعِ اسْتِعْمالُ القُرْءِ بمعنى الحَيْضِ، قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَدَعُ الصَّلاةَ أيَّامَ أقْرائِهَا". روَاه أبو داودَ (٢٤). وقال لفاطمةَ بنتِ أبى حُبَيْشٍ: "انْظُرِىِ، فَإذَا أتَى قُرْؤُكِ، فَلَا تُصَلِّى، وإذَا مَرَّ قُرْؤُكِ، فَتَطَهَّرِى، ثم صَلِّى مَا بَيْنَ القُرْءِ إلى القُرْءِ". روَاه النَّسَائِىُّ (٢٥). ولم يُعْهَدْ فى لِسانِه اسْتِعْمالُهَ بمعتى الطُّهْرِ فى مَوْضِعٍ، فوَجَبَ أن يُحْمَلَ كلامُه على المَعْهُودِ فى لِسانِه. ورُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "طَلَاقُ الأمَةِ طَلْقَتانِ، وقُرْؤُهَا حَيْضَتانِ". روَاه أيو داودَ، وغيرُه (٢٦). فإن قالوا: هذا يَرْوِيه مُظاهِرُ بن أسْلَمَ (٢٧)، وهو مُنْكَرُ الحَدِيثِ. قُلْنا: قد رَوَاه عبدُ اللَّه بن عِيسَى، عن عَطِيَّةَ العَوْفِىِّ، عن ابنِ عمرَ، كذلك أخْرَجَه ابن ماجَه، فى "سُنَنِه"، وأبو بكرٍ الخَلَّالُ، فى "جامِعِه"، وهو نَصٌّ فى عِدَّةِ الأَمَةِ، فكذلك عِدّةُ الحُرَّةِ. ولأنَّ ظاهِرَ قولِه تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. وُجوبُ الَّترَبُّص ثَلَاثةً كاملةً، ومن جَعَلَ القُرُوءَ الأَطْهارَ، لم يُوجِبْ ثلاثةً؛ لأنَّه يَكْتَفِى بطُهْرَيْنِ وبعضِ الثالثِ، فيُخالِفُ ظاهرَ النصِّ، ومن جَعَله الْحِيَضَ، أوْجَبَ ثلاثةً


(٢٠) فى أ، ب، م: "وكعدة".
(٢١) فى ب: "أو الصغيرة".
(٢٢) سورة الطلاق ٤.
(٢٣) سورة المائدة ٦.
(٢٤) تقدم تخريجه، فى: ١/ ٣٩٧.
(٢٥) فى: باب الأقراء، من كتاب الطلاق. المجتبى ٦/ ١٧٦. وانظر ١/ ٢٧٧.
(٢٦) تقدم تخريجه، فى: ١٠/ ٥٣٤.
(٢٧) فى النسخ: "مسلم". وانظر ترجمته فى: تهذيب التهذيب ١٠/ ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>