للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّه اسْتِبْرَاءٌ يُحَرِّمُ الوَطْءَ، فَحَرَّمَ الاسْتِمْتاعَ، كالعِدَّةِ، ولأنَّه لا يَأْمَنُ مِنْ (١٣) كَوْنِها حامِلًا من بائِعِها، فتكونُ أُمَّ وَلَدٍ، والبَيْعُ باطلٌ (١٤)، فيكونُ مُسْتَمْتِعًا بأُمِّ وَلَدِ غيرِه، وبهذا فارَقَ تحريمَ الوَطْءِ للحَيْضِ. فأمَّا المَسْبِيَّةُ، فظاهرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ تَحْريمُ مُبَاشَرَتِها فيما دُونَ الفَرْجِ لشَهْوةٍ. وهو الظاهرُ عن أحمدَ؛ لأنَّ كلَّ اسْتِبْراءٍ حَرَّمَ الوَطْءَ حَرّمَ دَوَاعِيَه، كالعِدَّةِ، ولأنَّه داعِيةٌ إلى الوَطْءِ المُحَرَّمِ، لأجْلِ اخْتلاطِ المِياهِ، واشْتِباهِ الأنْسابِ، فأشْبَهَتِ الْمَبِيعةَ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه لا يَحْرُمُ؛ لما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أنَّه قال: وَقَعَ في سَهْمِى يومَ جَلُولاءَ (١٥) جارِيةٌ، كأنَّ عُنُقَها إبْرِيقُ فضّةٍ، فما مَلَكْتُ نَفْسِى أن قُمْتُ إليها فَقبّلْتُها، والناسُ ينظرون (١٦). ولأنَّه لا نَصَّ في الْمَسْبِيَّةِ، ولا يَصِحُّ قِياسُها على الْمَبِيعَةِ؛ لأنَّها تَحْتَمِلُ أن تكونَ أُمَّ وَلَدٍ للبائعِ، فيكونَ مُسْتَمْتِعًا بأُمِّ ولَدِ غيرِه، ومُباشِرًا لمَمْلُوكةِ غيرِه، والْمَسْبِيَّةُ مملوكةٌ له على كلِّ حالٍ، وإنَّما حُرِّمَ وطؤُها لئَلَّا يَسْقِىَ ماءَه زَرْعَ غيرِه. وقولُ الْخِرَقِىِّ: بعدَ تَمامِ مِلْكِه لها. يَعْنِى أنَّ الاسْتِبْراءَ لا يكونُ إلَّا بعد مِلْكِ المُشْتَرِى لجميعِها، ولو مَلَكَ بعضَها، ثم مَلَكَ باقِيَها، لم يُحْتَسَب الاسْتِبْراءُ إِلَّا من حينَ مَلَكَ باقِيَها. وإن مَلَكَها بِبَيْعٍ فيه الخِيارُ، انْبَنَى على نَقْلِ المِلْكِ في مُدَّتِه، فإنْ قُلْنا: يَنْتَقِلُ. فابْتِداءُ الاسْتِبْراءِ من حينِ البَيْعِ. وإن قُلْنا: لا يَنْتَقِلُ. فابْتداؤُه من حينَ انْقَطَعَ الخِيارُ. وإن كان المبيعُ مَعِيبًا، فابْتداؤُه (١٧) الخِيارَ (١٨) من حينِ البَيْعِ؛ لأنَّ العَيْبَ لا يَمْنَعُ نَقْلَ المِلْكِ بغيرِ خِلافٍ. وهل يُبْتَدَأُ الاسْتِبْراءُ من حينِ البَيْعِ قبلَ القَبْضِ، أو من حينِ القَبْضِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدهما، من حينِ البيعِ؛ لأنَّ المِلْكَ ينْتقِلُ به. والثانى، من حينِ القَبْضِ؛


(١٣) سقط من: أ.
(١٤) في م: "باطلا".
(١٥) جلولاء: ناحية من نواحى السواد، في طريق خراسان، فتحها المسلمون في السنة التاسعة عشرة. معجم البلدان ٢/ ١٠٧، معجم ما استعجم ٢/ ٣٩٠، البداية والنهاية ٧/ ٦٩.
(١٦) أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب في الرجل يشترى الأمة يصيب منها شيئًا دون الفرج أم لا، من كتاب النكاح، المصنف ٤/ ٢٢٧، ٢٢٨.
(١٧) في أ، م: "فابتداء".
(١٨) في أ: "الاستبراء".

<<  <  ج: ص:  >  >>