للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذه المسألة مسألتان:

إحداهما، أنَّ الذي يتَعَلَّقُ به التَّحْرِيمُ خَمْسُ رَضْعاتٍ فصاعدًا. هذا الصَّحِيحُ في المذهبِ. ورُوِىَ هذا عن عائشةَ، وابنِ مسعودٍ، وابن الزُّبَيرِ، وعطاءٍ، وطاوسٍ. وهو قولُ الشافعيِّ. وعن أحمدَ روايةٌ ثانية (١)، أنَّ قَلِيلَ الرَّضاعِ وكثيرَه يُحَرِّمُ. ورُوِىَ (٢) ذلك عن عليٍّ، وابن عباسٍ. وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، والحسنُ، ومَكْحُولٌ، والزُّهْرِيُّ، وقَتادةُ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ، ومالكٌ، والأوْزاعيُّ، والثَّوْرِيُّ، واللَّيْثُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وزَعَمَ اللَّيْثُ أنَّ المسلمينَ أجْمَعُوا على أنَّ قَلِيلَ الرَّضاعِ وكثيرَه يُحَرِّمُ في المَهْدِ ما يُفْطِرُ به الصائِمُ. واحْتَجُّوا بقولِ اللَّه تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (٣). وقولِه عليه السلام: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ". وعن عُقْبةَ بن الحارثِ، أنَّه تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنتَ أبي إهَابٍ، فجاءتْ أمَةٌ سَوْدَاءُ، فقالتْ: قد أرْضَعْتُكُما. فذكَرْتُ ذلك للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "كَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ أنْ قَدْ أرْضَعَتْكُما! ". مُتَّفَقٌ عليه (٤). [ولأن ذلك] (٥) فِعْلٌ يتَعَلَّقُ به تَحْريمٌ مُؤَبّدٌ، فلم يُعْتَبَرْ فيه العَدَدُ، كتَحْرِيمِ أُمَّهاتِ النِّساءِ، ولا يَلْزَمُ اللِّعانُ؛ لأنَّه قولٌ. والرِّواية الثالثة (٦)، لا يَثْبُتُ التحريمُ إلَّا بثلاثِ رَضَعاتٍ. وبه قال أبو ثَوْرٍ، وأبو عُبَيْدٍ،


(١) في أ: "أخرى".
(٢) في ب: "ويروى".
(٣) سورة النساء ٢٣.
(٤) أخرجه البخاري، في: باب تفسير المشبهات، من كتاب البيوع، وفى: باب شهادة المرضعة، من كتاب النكاح. صحيح البخاري ٣/ ٧٠، ٧/ ١٣. والترمذي، في: باب ما جاء في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، من كتاب الرضاع. عارضة الأحوذى ٥/ ٩٤. والنسائي، في: باب الشهادة في الرضاع، من كتاب النكاح. المجتبى ٦/ ٩٠. والدارمى، في: باب شهادة المرأة الواحدة على الرضاع، من كتاب النكاح. سنن الدارمي ٢/ ١٥٨، ١٥٩. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٧، ٨، ٣٨٤.
وقد ذكر المؤلف أنه متفق عليه، ولكن عقبة بن الحارث من أفراد البخاري، ولم يخرج له مسلم. انظر: الجمع بين رجال الصحيحين ١/ ٣٨١، والإِرواء ٧/ ٢٢٥.
(٥) في أ، ب: "ولأنه".
(٦) في: الأصل، م: "الثانية".

<<  <  ج: ص:  >  >>