للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإنْفاقِه على غيرِ هؤلاءِ، ولأنَّ الشَّرْعَ إنَّما وَرَدَ بنَفقةِ الوَالدِين والمَوْلُودِينَ، ومَن سِوَاهم لا يَلْحَقُ بهم في الوِلادَةِ وأحْكامِها، فلا يَصِحُّ قِياسُه (١٣) عليهم. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}. فأوْجَبَ على الأبِ نَفقةَ الرَّضاعِ، ثم عَطَفَ الوارِثَ عليه، فأوْجَبَ على الوارثِ مثلَ ما أوْجَبَ على الوالِدِ. ورُوِىَ أن رَجُلًا سألَ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (١٤): مَنْ أبَرُّ؟ قال: "أُمَّكَ وَأبَاكَ، وأُخْتَكَ وأخَاكَ". وفى لفظٍ: "ومَوْلَاكَ الَّذِى هُوَ أدْناكَ، حَقًّا واجِبًا، ورَحِمًا مَوْصُولًا". روَاه أبو داودَ (١٥). وهذا نَصٌّ؛ لأنَّ (١٦) النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ألْزَمَه الصِّلَةَ والبِرَّ، والنَّفقةُ من الصِّلَةِ، جَعَلَها حقًّا واجبًا، وما احْتَجَّ به أبو حنيفةَ حُجّةٌ عليه، فإنَّ اللَّفْظَ عامٌّ في (١٧) كل ذِى رَحِمٍ، فيكونُ حُجَّةً عليه [في عدِادِ] (١٨) الرَّحِم المَحْرَمِ، وقد اخْتَصَّتْ بالوارِثِ في الإِرْثِ فكذلك في الإِنْفاقِ. وأما خَبَرُ أصحابِ الشافعىِّ، فقَضِيَّةٌ في عَيْنٍ، يَحْتَمِلُ أنَّه لم يكُنْ له غيرُ من أُمِرَ بالإِنْفاقِ عليه، ولهذا لم يَذْكُرِ الوالِدَ والأجْدادَ وأولادَ الأولادِ. وقولهم: لا يَصِحُّ القِياسُ. قُلْنا: إنَّما أثْبَتْناه بالنَّصِّ، ثم إنَّهم قد أَلْحَقُوا أولادَ الأولادِ بالأولادِ، مع التفاوُتِ، فبَطَلَ ما قالُوه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَخْتَصُّ بالوارثِ بِفَرْضٍ أو تَعْصِيبٍ، لعُمُومِ الآية، ولا يتَناوَلُ ذَوِى الأرْحامِ، على ما مَضَى بَيانُه، فإن كان اثنان يَرِثُ أحَدُهما الآخَرَ ولا يَرِثُه الآخرُ، كالرَّجُلِ مع عَمَّتِه أو ابْنَةِ عَمِّه وابنةِ أخِيه، والمرأةِ مع ابْنةِ بِنْتِها وابْنِ (١٩) بِنْتِها، فالنَّفقةُ على الوارِثِ دون المَوْرُوثِ. نَصَّ


(١٣) في الأصل: "قياسهم".
(١٤) سقط من: أ، ب، م.
(١٥) في: باب في بر الوالدين، من كتاب الأدب. سنن أبي داود ٢/ ٦٢٩.
كما أخرجه النسائي، في: باب أيتهما اليد العليا، من كتاب الزكاة. المجتبى ٥/ ٤٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢٢٦، ٤/ ٦٤، ٦٥، ٥/ ٣٧٧.
(١٦) سقط من: أ.
(١٧) في الأصل: على.
(١٨) في أ، ب، م: "فيمن عدا ذا".
(١٩) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>