للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما، أن يَضْرِبَه بمُحَدَّدٍ (١)، وهو ما يَقْطَعُ، ويَدْخُلُ في البَدَنِ، كالسَّيْفِ والسِّكِّينِ والسِّنَانِ، وما في معناه ممَّا يُحَدِّدُ فيَجْرَحُ، من الحَدِيدِ، والنُّحاسِ، والرَّصَاصِ، والذَّهَبِ، والفِضَّةِ، والزُّجَاج، والحَجَرِ، والقَصَبِ، والخَشَبِ، فهذا كلُّه إذا جَرَحَ به جُرْحًا كبيرًا، فمات (٢)، فهو قَتْلٌ عَمْدٌ، لا خِلافَ (٣) فيه بينَ العُلماءِ، فيما عَلِمْناه. فأمَّا إنْ جَرَحَه جُرْحًا صغيرًا، كشَرْطَةِ الحَجَّامِ، أو غَرَزَهُ بإبْرَةٍ، أو شَوْكةٍ، نَظَرْتَ؛ فإن كان في مَقْتَلٍ، كالعَيْنِ، والفُؤادِ، والخاصِرَةِ، والصُّدْغِ، وأصْلِ الأُذُنِ، فمات، فهو عَمْدٌ أيضًا؛ لأنَّ الإِصابةَ بذلك في المَقْتَلِ، كالجَرْحِ بالسِّكِّينِ في غيرِ المَقْتَلِ، وإن كان في غيرِ مَقْتَلٍ؛ نَظَرْتَ، فإن كان قد بالَغَ في إدْخالِها في البَدَنِ، فهو كالجُرْحِ الكبيرِ؛ لأنَّ هذا يَشْتَدُّ ألَمُه، ويُفْضِى إلى القَتْلِ، كالكبيرِ، وإن كان الغَرْزُ (٤) يَسِيرًا، أو جَرَحَهُ بالكبيرِ (٥) جَرْحًا لَطِيفًا، كشَرْطةِ الحَجَّامِ فما دُونَها، فقال أصحابُنا: إن بَقِىَ من ذلك ضَمِنًا (٦) حتى مات، ففيه القَوَدُ؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّه مات منه، وإن مات في الحالِ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، لا قِصَاصَ فيه. قاله ابنُ حامدٍ؛ لأنَّ الظاهرَ أنَّه لم يَمُتْ منه، ولأنَّه لا يَقْتُلُ غالِبًا، فأشْبَهَ العَصَا والسَّوْطَ. والتَّعْلِيلُ الأَوَّلُ أَجْوَدُ؛ لأنَّه لمَّا احْتَمَلَ حُصُولَ الموتِ بغيرِه ظاهِرًا، كان ذلك شُبْهةً في دَرْءِ القِصَاصِ، ولو كانت العِلَّةُ كَوْنَه لا يَحْصُلُ به القَتْلُ غالِبًا، لم يَفْتَرِق الحالُ بين مَوْتِه في الحالِ، وموتِه مُتَراخِيًا عنه، كسائرِ ما لا يَجِبُ به القِصَاصُ. والثانى، فيه القِصاصُ؛ لأنَّ المُحَدَّدَ لا يُعْتَبَرُ فيه غَلَبَةُ الظَّنِّ في حُصُولِ القَتْلِ به، بدليلِ ما لو قَطَعَ شَحْمَةَ أُذُنِه، أو قَطَعَ أُنْمُلَتَه، ولأنَّه لمَّا لم يُمْكِنْ إدارةُ الحُكْمِ، وضَبْطُه بغَلَبةِ الظَّنِّ،


(١) في ب: "محدود".
(٢) سقط من: الأصل، ب.
(٣) في ب: "اختلاف".
(٤) في م: "الغور".
(٥) في ب: "الكبير".
(٦) الضمن: الزَّمِن والمبتلى في جسمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>