للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ رَبْطُه بكَوْنِه مُحَدَّدًا، ولا يُعْتَبَرُ ظُهورُ الحِكْمةِ (٧) في آحادِ صُوَرِ (٨) المَظِنَّةِ، بل يَكْفِى احْتمالُ الحِكْمةِ، ولذلك ثَبَتَ الحكمُ به فيما إذا بَقِىَ ضَمِنًا، مع أنَّ العَمْدَ لا يخْتلِفُ مع اتِّحادِ الآلةِ والفِعْلِ، بسُرْعةِ الإِفضاءِ وإبْطائِه، ولأنَّ في البَدَنِ مَقاتِلَ خَفِيَّةً، وهذا له سِرَايةٌ ومَوْرٌ، فأشْبَهَ الجُرْحَ الكبيرَ. وهذا ظاهرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ؛ فإنَّه لم يُفَرِّقْ بين الصغيرِ والكبيرِ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ، وللشافعىِّ، من التفصيلِ نحوٌ ممَّا ذكَرْنا.

النَّوعُ الثاني، القتلُ بغيرِ المُحَدَّدِ، ممَّا يَغْلِبُ على الظَّنِّ حُصُولُ الزُّهُوقِ به عندَ استعمالِه، فهذا عَمْدٌ مُوجِبٌ للقِصَاصِ أيضًا. وبه قال النَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، وابنُ سِيرِينَ، وحَمَّادٌ، وعمرُو بن دِينارٍ، وابنُ أبي لَيْلَى، ومالكٌ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال الحسنُ: لا قَوَدَ في ذلك. ورُوِىَ ذلك عن الشَّعْبِىِّ. وقال ابنُ المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ، وطَاوُسٌ: العَمْدُ ما كان بالسِّلاحِ. وقال أبو حنيفةَ: لا قَوَدَ [في ذلك] (٩)، إلَّا أن يكونَ قَتَلَه بالنَّارِ. وعنه في مُثَقَّل الحَدِيدِ رِوَايتَان. واحْتَجَّ بقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلَا إنَّ في قَتِيلِ عَمْدِ الْخَطَإِ، قَتِيلِ السَّوْطِ والْعَصَا والْحَجَرِ، مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ" (١٠). فسَمَّاهَ عَمْدَ الخَطإِ، وأوْجَبَ فيه الدِّيَةَ دُونَ القِصَاصِ، ولأنَّ العَمْدَ لا يُمْكِنُ اعْتبارُه بنَفْسِه، فيَجِبُ ضَبْطُه بمَظِنَّتِه، ولا يُمْكِنُ ضَبْطُه بما يَقْتُلُ غالِبًا، لحُصُولِ العَمْدِ بدُونِه في الجُرْحِ الصغيرِ، فوَجَبَ ضَبْطُه بالجرْحِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} (١١). وهذا مَقْتُولٌ ظُلْمًا، وقال اللَّه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (١٢). وروى أَنَسٌ، أنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ


(٧) في ب، م: "الحكم".
(٨) في ب، م: "صورة".
(٩) سقط من: الأصل، ب.
(١٠) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤١٠. وانظر ما تقدم في صفحة ٤٤٥.
(١١) سورة الإسراء ٣٣.
(١٢) سورة البقرة ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>