للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنَّ في جَنِينِ الحُرَّةِ المسلمةِ غُرَّةً. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، منهم عمرُ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللهُ عنه، وعَطاءٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقد رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه اسْتشارَ الناسَ في إمْلَاصِ المَرْأةِ (٤)، فقال المُغيرةُ بن شُعْبةَ: شَهِدْتُ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى فيه بغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أمَةٍ. قال: لَتأْتِيَنَّ بمن يَشْهَدُ (٥) معك. فشَهِدَ له محمدُ بن مَسْلَمةَ (٦). وعن أبي هُرَيْرةَ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: اقْتَتَلَتِ امْرأتانِ من هُذَيْلٍ، فرَمَتْ إحداهُما الأُخْرَى بحَجَرٍ، فقَتَلَتْها وما في بَطْنِها، فاخْتَصَمُوا إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقَضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّ دِيَةَ جَنِينِها عَبْدٌ أو أمَةٌ، وقَضَى بدِيَةِ المرأةِ على عاقِلَتِها، ووَرِثَها ولَدُها ومَن مَعَهم. مُتَّفَقٌ عليه (٧). والغُرَّةُ عَبْدٌ أو أمَةٌ؛ سُمِّيا بذلك لأنَّهما من أنْفَسِ الأمْوالِ، والأصْلُ في الغُرَّةِ الخِيَارُ. فإن قيل: فقد رُوِىَ في هذا الخبرِ: أو فَرَسٍ أو بَغْلٍ. قُلْنا: هذا لا يَثْبُتُ، روَاه عيسى بن يُونُسَ، ووَهِمَ (٨) فيه. قالَه أهْلُ النَّقْلِ. والحديثُ الصحيحُ المُتّفَقُ عليه إنَّما فيه: عَبْدٍ أو أمَةٍ. فأمَّا قولُ الْخِرَقِىِّ: مِنْ حُرَّةٍ مسلمةٍ. فإنَّما أراد أنَّ جَنِينَ الحُرَّةِ المسلمةِ لا يكونُ إلَّا حُرًّا مسلِمًا، فمتى كان الجنينُ حرًّا مسلِمًا، ففيه الغُرَّةُ، وإن كانت أمُّهُ كافرةً أو أمَةً، مثل أن يتزَوَّجَ المسلمُ كِتابِيّةً، فإنَّ جَنِينَها منه محكومٌ بإسْلامِه، وفيه الغُرَّةُ، ولا يَرِثُ منها شيئًا؛ لأنَّه مسلمٌ، وولدُ (٩) السَّيِّدِ من أمَتِه [وولدُ المَغْرُورِ] (١٠) من أمَةٍ حُرٌّ. كذلك لو وُطِئَتِ الأمَةُ


(٤) إملاص المرأة: إلقاء ولدها ميتا.
(٥) في ب: "يشهده".
(٦) أخرجه البخاري، في: باب جنين المرأة، من كتاب الديات. صحيح البخاري ٩/ ١٤. ومسلم، في: باب دية الجنين ووجوب الدية. . ., من كتاب القسامة. صحيح مسلم ٣/ ١٣١١. وأبو داود، في: باب دية الجنين، من كتاب الديات، سنن أبي داود ٢/ ٤٩٧. وابن ماجه، في: باب دية الجنين، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٨٢.
(٧) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٤٦٣.
(٨) وهم فيه: غَلِط.
(٩) سقطت الواو من: م.
(١٠) في الأصل: "والمغرور".

<<  <  ج: ص:  >  >>