للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَمانُه، سواءٌ ألْقَتْه في حَياتِها، أو بعدَ مَوْتِها. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ: إن ألقَتْه بعدَ مَوْتِها، لم يَضْمَنْه؛ لأنَّه يَجْرِى مَجْرَى أعْضائِها، وبمَوْتِها سَقَطَ حكمُ أعْضائِها. ولَنا، أنَّه جَنِينٌ تَلِفَ بجنايَتِه، وعُلِمَ ذلك بخُرُوجِه، فوَجَبَ ضَمانُه، كما لو (٢٣) سَقَطَ في حَياتِها، ولأنَّه لو سَقَطَ حَيًّا ضَمِنَه، فكذلك إذا سَقَطَ مَيِّتًا، كما لو أسْقَطَتْه في حياتِها، وما ذكَرُوه ليس بصَحِيحٍ؛ لأنَّه لو كان كذلك، لَكان إذا سَقَطَ مَيِّتًا (٢٣) ثم ماتَتْ، لم يَضْمَنْه كأعْضائِها، ولأنَّه آدَمِىٌّ مَوْرُوثٌ، فلا يَدْخُلُ في ضَمانِ أُمِّه، كما لو خَرَجَ حَيًّا. فأمَّا إن ظَهَرَ بعضُه من بَطْنِ أُمِّه، ولم يَخْرُجْ باقِيه، ففيه الغُرَّةُ. وبه قال الشافعيُّ. وقال مالكٌ، وابنُ المُنْذِرِ: لا تَجِبُ الغُرَّةُ حتى تُلْقِيَه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّما أوْجَبَ الغُرَّةَ في الجَنِينِ الذي ألْقَتْه المرأةُ؛ وهذه لم تُلْقِ شيئًا، فأشْبَهَ ما لو لم يَظْهَرْ منه شيءٌ. ولَنا، أنَّه قاتلٌ لجَنِينِها، فلَزِمَتْه الغُرَّةُ، كما لو ظَهَرَ جَمِيعُه، ويُفارِقُ ما لو لم يَظْهَرْ منه شيءٌ، فإنَّه (٢٤) لم يُتَيَقَّنْ قَتْلُه ولا وُجُودُه. وكذلك إن ألْقَتْ يَدًا، أو رِجْلًا، أو رَأسًا، أو جُزْءًا من أجْزاءِ الآدَمِىِّ، وجَبَتِ الغُرَّةُ؛ لأنَّا تيَقَّنَّا أنَّه من جَنِينٍ. وإن ألْقَتْ رأسَيْنِ، أو أرْبَع أيْدٍ، لم يَجِبْ أكثرُ من غُرَّةٍ؛ لأنَّ ذلك يجوزُ أن يكونَ من جَنِينٍ واحدٍ، ويجوز أن يكون من جَنِينَيْنِ، فلم تَجِبِ الزِّيادةُ مع الشَّكِّ؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءَةُ الذِّمَّةِ؛ ولذلك (٢٥) لم يَجِبْ ضَمانُه إذا لم يَظْهَرْ، فإنْ أسْقَطَتْ ما ليس فيه صُورَةُ آدَمِىٍّ، فلا شىءَ فيه، لأنَّا (٢٦) لا نَعْلَمُ أنَّه جَنِينٌ. وإن ألْقَتْ مُضْغَةً، فشَهِدَ ثِقاتٌ من القَوابلِ أنَّ فيه صُورَةً خَفِيَّةً، ففيه غُرَّةٌ، وإن شَهِدَتْ أنَّه مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِىٍّ لو بَقِىَ تَصَوَّرَ، ففيه وَجْهان؛ أصَحُّهُما، لا شىءَ فيه؛ لأنَّه لم يُتَصَوَّرْ، فلم يَجِبْ فيه، كالعَلَقةِ، ولأنَّ الأصْلَ بَراءةُ الذِّمَّةِ، فلا نَشْغلُها بالشَّكِّ. والثانى، فيه غُرَّةٌ؛ لأنَّه مُبْتَدأُ خَلْقِ آدَمِىٍّ،


(٢٣) سقط من: الأصل.
(٢٤) في م: "لأنه".
(٢٥) في ب، م: "وكذلك".
(٢٦) في الأصل، ب: "لأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>