للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَحَصَلَ من نَفْعِه أضْعافُ ما يَحْصُلُ من دُخُولِه، وفَوَاتُ شيءٍ إلى ما هو أنْفَعُ منه لا يُعَدُّ فَوَاتًا، كمن اشْتَرَى بدِرْهَمٍ ما يُساوِى عَشرةً، لا يُعَدُّ فَواتًا ولا خُسْرانًا، ولا يُعْتَبَرُ لَوْنُ الغُرَّةِ. وذُكِرَ عن أبي عَمْرِو بن العَلَاءِ، أنَّ الغُرَّةَ لا تكونُ إلَّا بَيْضاءَ، ولا يُقْبَلُ عَبْدٌ أسْوَدُ، ولا جارِيةٌ سَوْداءُ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى بعَبْدٍ أو أمَةٍ، وأطْلَقَ مع غَلَبةِ السَّوادِ على عَبِيدِهِم وإمَائِهِم، ولأنَّه حيوانٌ يَجِبُ دِيَةً، فلم يُعْتَبَرْ لَوْنُه، كالإِبِلِ في الدِّيَةِ.

الفصل الرابع: أنَّ الغُرَّةَ قِيمَتُها نِصْفُ عُشْرِ الدِّيةِ، وهى خَمْسٌ من الإِبِلِ. رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وزَيْدٍ، رَضِىَ اللَّه عنهما. وبه قال النَّخَعِىُّ، والشَّعْبِىُّ، ورَبِيعةُ، وقَتادةُ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ولأنَّ ذلك أقَلُّ ما قَدَّرَه الشَّرْعُ في الجِناياتِ، وهو أرْشُ المُوضِحَةِ ودِيَةُ السِّنِّ، فرَدَدْناه إليه. فإن قِيلَ: فقد وَجَبَ في الأُنْمُلَةِ ثَلاثةُ أبْعِرَةٍ وثُلُثٌ، وذلك دُونَ ما ذكَرْتُمُوه (٤٢). قُلْنا: الذي نَصَّ عليه صاحبُ الشَّريعةِ -صلى اللَّه عليه وسلم- غُرَّةً قِيمَتُها أرْشُ المُوضِحَةِ، وهو خَمْسٌ من الإِبلِ. وإذا كان أبوَا الْجَنِينِ كِتابِيَّيْنِ، ففيه غُرَّةٌ قِيمَتُها نِصْفُ قِيمَةِ الغُرَّةِ الواجبةِ في المسلمِ. وفى جَنِينِ المَجُوسِيَّةِ غُرَّةٌ قيمتُها أرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وإذا تعَذَّرَ وُجُودُ غُرَّةٍ بهذه الدَّرَاهمِ، وجَبَتِ الدَّراهمُ؛ لأنَّه مَوْضِعُ حاجةٍ. وإذا اتَّفَقَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ من الأُصُولِ كلِّها، بأن تكونَ قِيمَتُها خَمْسًا من الإِبلِ وخَمْسينَ دينارًا أو سِتَّمائة دِرْهمٍ، فلا كَلامَ، وإن اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الإِبلِ، فنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ من غيرِها، مثل أن كانت قِيمَةُ الإِبلِ أرْبَعِينَ دينارًا أو أربعمائة دِرْهَمٍ، فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ أنَّها تُقَوَّمُ بالإِبلِ؛ لأنَّها الأصْلُ. وعلى قولِ غيرِه من أصحابِنا، تُقَوّمُ بالذَّهَبِ أو الوَرِقِ، فيُجْعَلُ (٤٣) قِيمَتُها خمسينَ دِينارًا أو سِتَّمائة دِرْهَمٍ، فإن اخْتَلَفا، قُوِّمَتْ على أهْلِ الذَّهَبِ به، وعلى أهْلِ الوَرِقِ به، فإن كان من أهْلِ الذَّهبِ والوَرِقِ جميعًا، قَوّمَها مَنْ هي عليه بما شاء منهما؛ لأنَّ الْخِيَرَةَ إلى الجانِى في دَفْعِ ما شاءَ من الأصُولِ. ويَحْتَمِلُ أن تُقَوَّمَ بأدْناهما على كلِّ حالٍ؛ لذلك.


(٤٢) في ب: "ذكروه".
(٤٣) في م: "فجعل".

<<  <  ج: ص:  >  >>