للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وههُنا (٥١) قد أُعْطُوا بدَعْوَاهم، على أن حَدِيثَنا أخَصُّ منه، فيجبُ تَقْديمُه، ثم هو حُجَّةٌ عليهم؛ لكَوْنِ المُدَّعِين أُعْطُوا بمُجَرَّدِ دَعْوَاهم من غيرِ بَيِّنَةٍ ولا يَمِينٍ منهم، وقد روَاه ابنُ عبدِ البرِّ، بإسْنادِه عن عمرو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْبَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، والْيَمينُ عَلَى مَنْ أنكَرَ، إلَّا فِي الْقَسَامَةِ" (٥٢). وهذه الزيادةُ يتَعَيَّنُ العملُ بها، لأنَّ الزِّيادةَ من الثِّقَةِ مَقْبولةٌ؛ ولأنَّها أيْمانٌ مُكرَّرةٌ. فيُبْدَأُ فيها بأيْمانِ المُدَّعِين كاللِّعانِ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّ أيْمانَ القَسامَةِ خَمسونَ مَرَدَّدَةٌ، على ما جاءتْ به الأحاديثُ الصحيحةُ، وأجْمَعَ عليه أهلُ العلمِ، لا (٥٣) نعلمُ أحدًا خَالفَ فيه.

الفصلُ الرابعُ: أنَّ الأوْلياءَ إذا حَلَفُوا اسْتحَقُّوا القَوَدَ، إذا كانتِ الدَّعْوَى عَمْدًا، إلَّا أنْ يَمْنَعَ منه مانِعٌ، رُوِيَ ذلك عن ابنِ الزُّبَيْر، وعمرَ (٥٤) بنِ عبدِ العزيزِ. وبه قال مالكٌ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِر. وعن مُعاويةَ، وابنِ عبَّاسٍ، والحسنِ، وإسحاقَ: لا تجِبُ بها إلَّا (٥٥) الدِّيَةُ؛ لقولِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لليهودِ: "إمَّا أنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ، وإمَّا أنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ" (٥٦). ولأنَّ أيْمانَ المُدَّعِين إنَّما هي بغَلَبَةِ الظَّنِّ، وحُكْمِ الظَّاهرِ، فلا يجوزُ إشَاطةُ الدَّمِ بها؛ لقيامِ الشُّبْهَةِ المُتَمَكِّنةِ منها، ولأنَّها حُجَّةٌ لا يثْبُتُ بها النِّكاحُ، ولا يجبُ بها القِصاصُ، كالشَّاهدِ واليَمِينِ. وللشافعيِّ قَوْلانِ، كالمذهبَيْن. ولَنا، قولُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ منْهُمْ، فَيُدْفَعُ إِلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ" (٥٦).


(٥١) في م: "وهنا".
(٥٢) انظر ما تقدم في: ١٠/ ٥٣٠.
(٥٣) في ب: "ولا".
(٥٤) في م: "وعن عمر".
وذكره البيهقي عنهما، في: باب ما جاء في القتل بالقسامة، من كتاب القسامة. السنن الكبرى ٨/ ١٢٧.
(٥٥) سقط من: م.
(٥٦) تقدم تخريجه، في صفحة ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>