للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِتُّ فَلا تُمَثِّلُوا به (١١). فلم يُثْبِتْ لِفِعْلِه حُكْمَ البُغاةِ. ولأنَّنا لو أَثْبَتْنا للعدَدِ اليَسِيرِ حُكْمَ البُغاةِ، في سُقُوطِ ضَمانِ ما أَتْلَفُوهُ، أفْضَى إلى إِتْلافِ أمْوالِ النَّاسِ. وقال أبو بكرٍ: لا فرقَ بين الكثيرِ والقليلِ، وحُكْمُهم حُكْمُ الْبُغَاةِ إذا خَرَجُوا عن قَبْضَةِ الإِمامِ. الثالثُ، الخوارجُ الذين يُكَفِّرُونَ بالذَّنْبِ، ويُكَفِّرُونَ عثمانَ وعليًّا وطَلْحَةَ والزُّبيْرَ، وكثيرًا من الصَّحَابَةِ، ويَسْتَحِلُّونَ دِماءَ المسلمِين، وأَمْوالَهُم، إلَّا مَن خَرَجَ معهم، فظاهِرُ قولِ الفُقَهاءِ مِن أصْحابِنا المتَأَخِّرينَ، أنَّهم بُغَاةٌ، حُكْمُهم حُكْمُهم. وهذا قَولُ أبي حنيفةَ، والشَّافعيِّ، وجُمهورِ الفُقَهاءِ، وكثيرٍ من أهلِ الحديثِ. ومالِكٌ يَرَى اسْتِتابَتَهم، فإنْ تابُوا، وإلَّا قُتِلُوا على إفْسادِهِم، لا على كُفْرِهِم. وذهَبتْ طائِفةٌ من أهلِ الحديثِ إلى أنَّهم كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ، حُكْمُهم حُكْمُ الْمُرْتَدِّين، تُباحُ (١٢) دِماؤهُم وأَمْوالُهم، فإن تَحَيَّزُوا في مكانٍ، وكانتْ لهم مَنَعَةٌ وشَوْكَةٌ، صارُوا أهلَ حربٍ، كسائرِ الكُفَّارِ، وإن كانُوا في قَبْضَةِ الإِمامِ، اسْتَتابَهم، كاسْتِتابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، فإن تابُوا، وإلَّا ضُرِبَتْ أَعْناقُهم، وكانتْ أمْوالُهم فَيْئًا، لا يَرِثُهم وَرَثَتُهم المسلمون؛ لما رَوى أبو سعيدٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَأونَ الْقُرَآنُ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيَنِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ في النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، [وَيَنْظُرُ في الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا] (١٣)، وَيَنْظُرُ في الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ويَتَمَارَى في الْفُوقِ" (١٤) رواهُ مالِكٌ، في "مُوَطَّأه"، والبُخَارِيُّ في "صَحيحهِ" (١٥). وهو


(١١) ذكره ابن سعد في: الطبقات الكبرى ٣/ ٣٥، ٣٧.
(١٢) في ب، م: "وتباح".
(١٣) سقط من: ب. نقل نظر.
والقدح: خشب السهم، أو ما بين الريش والسهم.
(١٤) الفوق: موضع الوتر من السهم. أي يتشكك هل علق به شيء من الدم؟
(١٥) أخرجه مالك، في: باب ما جاء في القرآن، من كتاب القرآن. الموطأ ١/ ٢٠٤، ٢٠٥. والبخاري، في: باب ما جاء في قول الرجل: ويلك، من كتاب الأب، وفي: باب قتل الخوارج والملحدين، وباب من ترك قتال الخوارج، من كتاب الاستتابة. صحيح البخاري ٨/ ٤٧، ٩/ ٢١، ٢٢. =

<<  <  ج: ص:  >  >>