للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما فعلتُمْ به؟ قال: قَرَّبْناه، فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ. فقالَ عمرُ: فهلَّا حَبَسْتُمُوه ثلاثًا، فأَطْعَمْتُمُوه كُلَّ يَومٍ رَغِيفًا، واسْتَتَبْتُموهُ، لعلَّه يَتُوبُ، أو يُرَاجِعُ أمْرَ اللهِ؟ اللَّهُمَّ إنِّي لم أحْضُرْ، ولم آمُرْ، ولم أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي. ولو لم تَجِبِ اسْتِتَابَتُه لَما بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِم. ولأنَّه أمْكَنَ اسْتِصْلاحُه، فلم يَجُزْ إتْلافُه قبلَ اسْتِصْلاحِه، كالثَّوْبِ النَّجِسِ. وأمَّا الأَمْرُ بِقَتْلِهِ، فالْمُرادُ بِهِ بعدَ الاسْتِتَابَةِ، بِدليلِ ما ذكَرْنا. وأمَّا حَدِيثُ مُعاذٍ فإنَّه قد جاء فيه: وكان قد اسْتُتِيبَ. ويُرْوَى أنَّ أبا موسى اسْتَتابَه شَهْرَينِ قَبْلَ قُدومِ مُعاذٍ عليه، وفي رِوَايَةٍ: فدَعاهُ عِشْرِينَ لَيْلةً، أو قَرِيبًا مِنْ ذلك، فجاءَ مُعاذٌ، فدَعاه وأَبَى، فضَرَبَ عُنُقَه. روَاه أبو داودَ (١٨). ولا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ القَتْلِ وُجُوبُ الضَّمانِ، بدليلِ نِساءِ أَهْلِ الْحَرْبِ وصِبْيانِهم وشُيُوخِهم. إذا ثَبَتَ وُجُوبُ الاسْتِتابَةِ، فمُدَّتُها ثلاثةُ أَيَّامٍ. رُوِيَ ذلك عن عمرَ، رَضِيَ اللهُ عنه. وبه قال مالِكٌ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأيِ. وهو أحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وقال في الآخَرِ: إنْ تَابَ في الْحالِ، وإلَّا قُتِلَ مَكانَه، وهذا أَصَحُّ قَوْلَيْهِ. وهو قَوْلُ ابْنِ المُنْذِرِ؛ لحَدِيثِ أُمِّ مَرْوَانَ، ومُعاذٍ، ولأَنَّه مُصِرٌّ على كُفْرِه، أَشْبَهَ بعدَ الثلاثِ. وقالَ الزُّهْرِيُّ: يُدْعَى ثلاثَ مَرَّاتٍ، فَإنْ أبَى، ضُرِبَتْ عُنُقُه. وهذا يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ. وقال النَّخَعِيُّ: يُسْتَتابُ أبَدًا. وهذا يُفْضِي إلى أنْ لا يُقْتَلَ أبَدًا، وهو مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ والإِجْماعِ. وعن عَلِيٍّ، أنَّه اسْتَتابَ رَجُلًا شَهْرًا. ولَنا، حديثُ عمرَ، ولأنَّ الرِّدَّةَ إنَّما تكونُ لِشُبْهَةٍ، ولا تزُولُ في الحالِ، فوَجَبَ أنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِ فيها، وأَوْلَى ذلك ثلاثةُ أيَّامٍ، للأَثَرِ فيها، وأنَّها مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ. ويَنْبَغِي أنْ يُضَيَّقَ عليه في مُدَّةِ الاسْتِتابَةِ، وَيُحْبَسَ؛ لِقَوْلِ عمرَ: هَلَّا حَبَسْتُمُوه، وأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا؟ ويُكَرِّرُ دِعايتَه، لَعَلَّهُ يَتَعَطَّفُ قَلْبُهُ، فيُرَاجِعَ دِينَه.


(١٨) في: باب الحكم في من ارتد، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٤١.
كما أخرجه البيهقي، في: باب من قال: المرتد يستتاب مكانه. . ., من كتاب المرتد. السنن الكبرى ٨/ ٢٠٥، ٢٠٦. وعبد الرزاق، في: باب في الكفر بعد الإِيمان، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ١٦٨. وابن أبي شيبة، في: باب في المرتد عن الإِسلام ما عليه، من كتاب الحدود. المصنف ١٠/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>