للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلِ (٣٣) العلم كلِّهم، إلَّا أبا ثَوْرٍ، قال: العبدُ والأمَةُ هما مُحْصَنَانِ، يُرْجَمانِ إذا زَنَيَا، إلَّا أن يكونَ إجْماعٌ يُخالِفُ ذلك. وحُكِىَ عن الأوْزَاعِىّ في العبدِ تحتَه حُرَّةٌ: هو مُحْصَنٌ، يُرْجَمُ إذا زَنَى، وإن كان تحتَه أمَةٌ، لم يُرْجَمْ. وهذه أقوالٌ تُخالِفُ النَّصَّ والإِجْماعَ، فإنَّ اللَّه تعالى قال: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (٣٤). والرَّجْمُ لا يَتَنَصَّفُ، وإيجابُه كلُّه يُخالِفُ النَّصَّ بع مُخالفَةِ الإِجْماعِ المُنْعَقِدِ قَبْلَه، إلَّا أن يكونَ إذا عَتَقَا بعدَ الإِصابةِ، فهذا فيه اخْتلافٌ سنذْكرُه إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وقد وافَق الأوْزَاعِىُّ على أنَّ العَبْدَ إذا وَطِىءَ الأمَةَ، ثم عَتَقَا، لم يَصِيرَا مُحْصَنَيْنِ، وهو قولُ الجمهورِ، وزاد فقال في المَمْلوكَيْن إذا أُعْتِقَا، وهما متزوِّجَانِ، ثم وَطِئَها الزَّوْجُ: لا يَصِيرانِ مُحْصَنَيْنِ بذلك الوَطْءِ. وهو أيضًا قولٌ شاذٌ، خالَفَ أهلَ العلمِ به؛ فإنَّ الوطءَ وُجِدَ منهما حالَ كَمالِهما، فحصَّنَهما، كالصَّبِيَّيْن إذا بَلَغَا. الشَّرْطُ الخامسُ والسادسُ، البُلُوغُ والعقلُ، فلو وَطِىءَ وهو صَبِىٌّ أو مجنونٌ، ثم بلغَ أو عَقَلَ، لم يكُن مُحْصَنًا. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، ومذهبُ الشَّافِعِىِّ. ومِن أصْحابِه مَن قال: يصيرُ مُحْصَنًا، وكذلك العبدُ إذا وَطِىءَ في رِقِّه، ثم عَتَقَ، يصيرُ مُحْصَنًا؛ لأنَّ هذا وَطْءٌ يحْصُلُ به الإِحْلالُ للمُطلِّق ثلاثًا، فحصَلَ به الإِحْصانُ، كالموجودِ حالَ الكمالِ. ولَنا، قولُه عليه السلام: "والثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ". فاعْتَبَرَ الثُّيوبَةَ خاصَّةً، ولو كانتْ تحْصُلُ قبلَ ذلك، لَكان يجبُ عليه الرَّجْمُ قبلَ بُلوغِه وعَقْلِه، وهو خلافُ الإِجماعِ، ويُفارِقُ الإِحصانُ الإِحْلالَ، لأنَّ اعتبارَ الوَطْءِ في حَقِّ المُطلِّق , يَحْتَمِلُ أن يكونَ عقُوبةً له بتَحْريمِها عليه حتى يطأَها غيرُه، ولأنَّ هذا ممَّا تَأْبَاه الطِّباعُ ويَشُقُّ على النُّفُوسِ، فاعْتبرَه الشارِعُ زَجْرًا عن الطَّلَاقِ ثلاثًا، وهذا يَسْتَوِى فيه العاقِلُ والمجنونُ، بخلافِ الإِحْصانِ، فإنَّه اعْتُبِرَ لكَمالِ النِّعْمَةِ [في حَقِّهِ] (٣٥)، فإن مَنْ كَمَلَتِ النِّعْمَةُ في حَقِّه، كانتْ جِنايتُه أفْحَشَ وأحقَّ بزيادَةِ


(٣٣) في ب: "أكثر هل".
(٣٤) سورة النساء ٢٥.
(٣٥) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>