للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلْيَجْلِدْهَا، ولْيَبِعْها (٢٥) وَلَوْ بِضَفِيرٍ". وقال (٢٦): حدَّثنا أبو الأحْوَصِ، حدَّثنا عبدُ الأعْلَى، عن أبي جَمِيلةَ، عن علىٍّ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "وَأَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ". وروَاه الدَّارَقُطْنِيُّ (٢٧). ولأنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تأْديبَ أَمَتِه وتَزْويجَها، فَمَلَكَ إقَامَةَ الحَدِّ عليها، كالسُّلْطَانِ، وفارقَ الصَّبِيَّ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّما يَمْلِكُ إقامةَ الحَدِّ بشروطٍ أربعةٍ؛ أحدُها، أن يكونَ جلدًا كحَدِّ الزِّنَى، والشُّرْبِ، وحَدِّ القَذْفِ، فأمَّا القتلُ في الرِّدَّةِ، والقَطْعُ في السَّرِقَةِ، فلا يَمْلِكُهما إلَّا الإِمامُ. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وفيهما وَجْهٌ آخرُ، أنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُهُما. وهو ظاهِرُ مذهب الشَّافِعِيِّ؛ لِعُمومِ قولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ". ورُوِىَ أنَّ ابنَ عمرَ قطَعَ عبدًا سَرَقَ (٢٨). وكذلك عائِشةُ. وعن حَفْصَةَ أنَّها قَتَلَتْ أَمَةً لها سَحرَتْها (٢٨). ولأنَّ ذلك حَدٌّ أشْبَهَ الجَلْدَ. وقالَ القاضي: كلامُ أحمدَ يَقْتَضِي أنَّ في قَطْعِ السَّارِقِ روَايتَيْن. ولَنا، أنَّ الأَصْلَ تَفْويضُ الحَدِّ إلى الإِمامِ؛ لأنَّه حَقٌّ للهِ تعالى، فيُفَوَّضُ إلى نائِبِه، كما في حَقِّ الأحْرارِ، ولما ذكَرَه أصحابُ أبي حَنِيفةَ، وإنَّما فُوِّضَ إلى السَّيِّدِ الجَلْدُ خاصَّةً، لأنَّه تأدِيبٌ، والسَّيِّدُ يَمْلِكُ تأديبَ (٢٩) عبدِه وضَرْبَه على الذَّنْبِ، وهذا من جنسِه، وإنَّما افْتَرَقَا في أنَّ هذا مُقَدَّرٌ، والتأديبُ غيرُ مُقَدَّرٍ، وهذا لا أَثَرَ له في مَنْعِ السَّيِّدِ منه، بخلافِ القَطْعِ والقَتْلِ، فإنَّهما إتْلافٌ لجُمْلَتِه أو بَعْضِه (٣٠) الصَّحِيحِ، ولا يَمْلِكُ السَّيِّدُ هذا من عَبْدِه، ولا شيئًا من جِنْسِه، والخبرُ الواردُ في حَدِّ السَّيِّدِ عبدَه، إنَّما جاءَ في الزِّنَى خاصَّةً، وإنَّما قِسْنَا عليْه ما يُشْبِهُه من الجَلْدِ. وقولُه: "أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ". إنَّما جاء في سِياقِ الجَلْدِ في الزِّنَى، فإنَّ أوَّلَ الحديثِ عن عليٍّ


(٢٥) في ب: "أو ليبعها".
(٢٦) أي سعيد.
(٢٧) تقدم تخريجه، في صفحة ٣٢٩.
(٢٨) أخرج عبد الرزاق ما روى عن ابن عمر، في: باب سرقة العبد، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ٢٣٩. وما روى عن حفصة تقدم، في صفحة ٢٧١.
(٢٩) سقط من: م.
(٣٠) في م: "وبعضه".

<<  <  ج: ص:  >  >>