للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه رُبَّما أفْضَى إلى تَفْويتِ حَقِّ المُسْتَأْجِرِ، وكذلك الأمَةُ المَرْهونَةُ، يُخَرَّجُ فيها وَجْهان. الشرطُ الثالث، أنَّ يَثْبُتَ الحَدُّ بِبَيِّنَةٍ أو اعْترافٍ، فإن ثَبَتَ باعْترافٍ، فلِلسَّيِّدِ إقامتُه، إذا كانَ يعرفُ الاعْترافَ الذي يَثْبُتُ به الحَدُّ وشُروطَه، وإن ثَبَتَ ببَيِّنةٍ، اعْتُبِرَ أنْ يَثْبُتَ عندَ الحاكمِ؛ لأنَّ البَيِّنَةَ تحْتاجُ إلى البحثِ عن العدالَةِ، ومعرفَةِ شرُوطِ سَماعِها ولَفْظِها، ولا يقومُ بذلك إلَّا الحاكِمُ. وقال القاضي يعقوب (٣٨): إنْ كان السَّيِّدُ يُحْسِنُ سَماعَ البَيِّنَةِ، ويَعْرِفُ شُروطَ العدالَةِ، جازَ أن يسْمَعَها، ويُقِيمَ الحَدَّ بها، كما يُقِيمُه بالإِقْرارِ. وهذا ظاهرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّها أحَدُ ما يَثْبُتُ به الحَدُّ، فأشْبَهتِ الإِقْرارَ. ولا يُقيمُ السَّيِّدُ الحَدِّ بعِلْمِه. وهذا قولُ مالِكٍ؛ لأنَّه لا يُقِيمُه الإِمَامُ بعلْمِه، فالسَّيِّدُ أوْلَى، فإنَّ ولايةَ الإِمامِ للحَدِّ أقْوَى مِنْ وِلايَةِ السَّيِّدِ؛ لكَوْنِها مُتَّفَقًا عليها، وثابتةً بالإِجْماعِ، فإذا لم يَثْبُتِ الْحَدُّ في حَقِّه بالعِلْمِ، فههُنا أوْلَى. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّه يُقِيمُهُ بعِلْمِه؛ لأنَّه قد ثَبَتَ عندَه، فمَلَكَ إقامَتَه، كما لو أقَرَّ به، ويفارِقُ الحاكِمَ؛ لأنَّ الحاكِمَ مُتَّهَمٌ، ولا يَمْلِكُ مَحَلَّ إقامَتِه، وهذا بخلافِه. الشرطُ الرابع، أن يكونَ السَّيِّدُ بالغًا عاقِلًا عالِمًا بالحُدُودِ وكَيْفِيَّةِ إقامَتِها؛ لأنَّ الصَّبِىَّ والمجنُونَ لِيسَا من أهلِ الولاياتِ، والجاهلَ بالحَدِّ لا يُمْكِنُه إقامَتُه على الوجْهِ الشَّرْعِيِّ، فلا يُفَوَّضُ إليه. وفي الفاسِقِ وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يَمْلِكُه؛ لأنَّ هذه ولايةٌ، فنافَاها الفِسْقُ، كولايةِ التَّزْوِيجِ. والثَّانى، يَمْلِكُه؛ لأنَّ هذه ولايةٌ اسْتَفادَها بالمِلْكِ، فلم يُنَافِها الفِسْقُ، كبَيْعِ العبدِ. وإن كان مُكاتَبًا ففيه احْتمالانِ؛ أحدُهما، لا يَمْلِكُه؛ لأنَّه ليس من أهلِ الوِلَايةِ. والثاني، يَمْلِكُه؛ لأنَّه مُسْتَفادٌ (٣٩) بالمِلْكِ، فأَشْبَهَ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِه. وفي المرأَةِ أيضًا احْتمالانِ؛ أحدُهما، لا تَمْلِكُه؛ لأنَّها ليستْ من أهلِ الولايات. والثانى، تَمْلِكُهُ؛ لأنَّ فاطِمَةَ جَلَدَتْ أمَةً لها، وعائِشَةَ قَطَعَتْ أمَةً لها سَرَقَتْ، وحَفْصَةَ قَتَلَتْ أَمَةً لها (٤٠)


(٣٨) يعقوب بن إبراهيم بن سطور البرزيني أبو على القاضي، دخل بغداد سنة نيف وثلاثين وأربعمائة، وولى القضاء بباب الأزج سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وكان ذا معرفة ثاقبة بأحكام القضاء، وإنفاذ السجلات، ومات وهو على القضاء سنة ست وثمانين وأربعمائة. طبقات الحنابلة ٢/ ٢٤٥ - ٢٤٧.
(٣٩) في ب، م: "يستفاد".
(٤٠) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>