للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ من الْوَرِقِ، أو قِيمَةَ ثلاثةِ دَرَاهِمَ، طَعَامًا كَانَ أو غَيْرَهُ، وأخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، قُطِعَ)

وجملتُه أنَّ القَطْعَ لا يجبُ إلَّا بشُروطٍ سبعةٍ؛ أحدُها، السَّرِقَةُ، ومعنى السَّرقَةِ: أخذُ المالِ على وجهِ الْخِفْيَةِ والاسْتِتَارِ. ومنه اسْتِراقُ السَّمْعِ، ومُسارَقَةُ النَّظَرِ، إذا كان يَسْتَخْفِى بذلك، فإنَّ اخْتَطَفَ أو اخْتلَسَ، لم يكُنْ سارِقًا، ولا قَطْعَ عليه عندَ أحَدٍ عَلِمْناه غيرَ إياسِ (١) بنِ مُعاوِيَةَ، قال: أقْطعُ الْمُخَتَلِسَ؛ لأنَّه يَسْتَخْفِى بأخْذِه، فيكونُ سارِقًا. وأهلُ الفِقْهِ والفَتْوَىِ من عُلَماءِ الأمصارِ على خلافِهِ. وقد رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-, أنَّه قال: "لَيْسَ عَلَى الخَائِنِ ولَا الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ". وعن جابرٍ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ عَلَى المُنْتَهِبِ قَطْعٌ". روَاهما أبو دَاودَ (٢). وقال: لم يَسْمَعْهُما ابنُ جُرَيْجٍ من أبى الزُّبَيْرِ. ولأنَّ الواجِبَ قَطْعُ السَّارِقِ، وهذا غيرُ سارقٍ، ولأنَّ الاختلاسَ نَوْعٌ من الخَطْفِ والنَّهْبِ، وإنَّما يَسْتَخْفِى في ابْتَداءِ اخْتلاسِهِ، بخلافِ السَّارِقِ. واخْتَلفتِ الرِّوَايَةُ، عن أحمدَ، في جاحِدِ العَارِيَّةِ، فعنه: عليه القَطْعُ. وهو قولُ إسحاقَ؛ لما رُوِىَ عن عائشة، أنَّ امرأةً كانت تسْتعيرُ الْمَتاعَ وتجْحَدُه، فأمرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقَطْعِ يَدِها، فأتى أهلُها أُسامة فكلَّمُوه، فكلَّم النَّبِىَّ، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا أَرَاكَ تُكَلِّمُنِى فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ تَعالَى". ثمَّ قَامَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خَطِيبًا، فقال: "إنَّما هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بَأَنَّه (٣) إذا سَرَقَ فِيهمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهمُ الضَّعِيفُ قَطَعُوه،


(١) في ب: "أنيس". خطأ. هو إياس بن معاوية بن قرة المزني. قاضى البصرة، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائة. سير أعلام النبلاء ٥/ ١٥٥.
(٢) أخرجهما أبو داود، في: باب القطع في الخلسة والخيانة، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٥٠.
كما أخرجهما الترمذي، في: باب ما جاء في الخائن والمختلس والمنتهب، من أبواب السرقة. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٢٨، ٢٢٩. والنسائي، في: باب ما لا قطع فيه، من كتاب قطع السارق. المجتبى ٨/ ٨١، ٨٢. وابن ماجه، في: باب الخائن والمنتهب والمختلس، من كتاب الحدود ٢/ ٨٦٤. والدارمى، في: باب ما لا يقطع من السراق، من كتاب الحدود. سنن الدارمي ٢/ ١٧٥.
(٣) في ب: "أنهم". وفي مصادر التخريج: "أنهم كانوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>