للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا خِلافَ بينَ أهل العلمِ في أنَّ السَّارِقَ أولُ ما يُقْطَعُ منه يدُه اليُمْنَى، من مَفْصِلِ الكَفِّ، وهو الكوعُ. وفى قِرَاءَةِ عبد اللَّه بن مسعود: (فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا) (١). وهذا إن كان قراءةً وإلَّا فهو تفسيرٌ. وقد رُوِىَ عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ (٢) وعمرَ، رَضِيَ اللَّه عنهما، أنَّهما قالا: إذا سَرَقَ السَّارِقُ، فاقْطَعُوا يَمِينَه من الكُوعِ (٣). ولا مُخالِفَ لهما في الصحابة، ولأنَّ البَطْشَ بها أقْوَى، فكانتِ البدايةُ بها أرْدَعَ، ولأنَّها آلةُ السَّرِقَةِ، فناسبَ عُقوبتَه بإعْدامِ آلتِها. وإذا سَرَقَ ثانيًا، قُطِعَتْ رِجْلُه اليُسْرَى. وبذلك قال الجماعةُ إلَّا عَطاءً، حُكِىَ عنه، أنَّه تُقْطَعُ يدُه اليُسْرَى؛ لقَوْلِه سبحانه: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (٤). ولأنَّها آلةُ السَّرِقَةِ والبَطْشِ، فكانتِ العقوبةُ بقَطْعِها أوْلَى. ورُوِىَ عن رَبِيعَةَ، وداودَ. وهذا شُذُوذٌ، يخالِفُ قَوْلَ جماعَةِ فُقهاءِ الأمصارِ من أهِل الفِقْهِ والأثرِ، من الصَّحَابَةِ والتَّابِعينَ، ومَن بعدَهم، وقولَ (٥) أبى بكرٍ وعمرَ، رَضِيَ اللَّه عنهما، وقد رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال في السَّارِقِ: "إذا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَه، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَه" (٦). ولأنَّه في المُحارَبَةِ المُوجِبَةِ قَطْعَ عُضْوَيْنِ، إنَّما تُقْطَعُ يدُه ورِجْلُه، ولا تُقْطَعُ يَداهُ، فنقول: جنايةٌ أوْجَبَتْ قطعَ عُضْوَيْن، فكانا رِجْلًا ويدًا، كالمُحارَبَةِ، ولأنَّ قَطْعَ يَدَيْه يفَوِّتُ مَنْفعةَ الجنْسِ، فلا تَبْقَى له يدٌ يأكلُ بها، ولا يتوضَّأُ، ولا يَسْتَطِيبُ، ولا يدفَعُ عن نفسِه، فيصيرُ كالهالِك، فكان قَطْعُ الرِّجْلِ الذي لا يشتَمِلُ على هذه المَفْسَدَةِ أوْلَى. وأمَّا الآيةُ، فالمُرادُ بها قَطْعُ يَدِ كُلِّ واحِدٍ منهما؛


(١) أخرجه البيهقي، في: باب السارق يسرق أولا. . ., من كتاب السرقة. السنن الكبرى ٨/ ٢٧٠.
(٢) سقط من: ب.
(٣) هو من فعل عمر. أخرجه البيهقي، في: باب السارق يسرق أولا. . ., من كتاب السرقة. السنن الكبرى ٨/ ٢٧١. وعبد الرزاق، في: باب قطع السارق، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ١٨٥. وابن أبي شيبة، في: باب في الرجل تقطع. . ., من كتاب الحدود. المصنف ١٠/ ٢٩. ولم نجده عن أبي بكر. وانظر الإرواء ٨/ ٨١.
(٤) سورة المائدة ٣٨.
(٥) في م: "وهو قول".
(٦) أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>