للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدليلِ أنه لا تُقْطَعُ اليَدَانِ في المرَّةِ الأولَى. وفى قراءةِ عبدِ اللَّه: (فَاقْطَعُوْا أيْمَانَهُمَا). وإنَّما ذُكِرَ بلفظِ الجمعِ، لأنَّ المُثَنَّى إذا أُضِيفَ إلى المُثَنَّى ذُكِرَ بَلفظِ الجمعِ، كقولِه تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (٧). إذا ثبت هذا، فإنَّه تُقْطَعُ رِجْلُه اليُسْرَى؛ لقول اللَّه تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (٨). ولأنَّ قَطْعَ اليُسْرَى أَرْفَقُ به، لأنَّه يُمْكِنُه المشْىُ على خَشَبَةٍ، ولو قُطِعَتْ رِجْلُه اليُمْنَى لم يُمْكِنْه المشْىُ بحالٍ. وتُقْطَعُ الرِّجْلُ من مَفْصِلِ الكعبِ في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، وفعلَ ذلك عمرُ، رَضِىَ اللهُ عنه (٩). وكان علىٌّ، رَضِىَ اللَّه عنه، يَقْطَعُ من نصف القَدَمِ من مَعْقِدِ الشِّرَاكِ (١٠)، ويَدَعُ له عَقِبًا يَمْشِى عليها (١١). وهو قولُ أبى ثَوْر. ولَنا، أنَّه أحدُ العُضْوَيْنِ المَقْطوعَيْن في السَّرِقَةِ، فيُقْطَعُ من المَفْصِلِ كاليَدِ. وإذا قُطِعَ حُسِمَ، وهو أن يُغْلَى الزَّيْتُ، فإذا قُطِعَ غُمِسَ عُضْوُه في الزَّيْتِ؛ لتَنْسَدَّ أَفْواهُ العروقِ؛ لئلَّا ينْزِفَ الدمَ فيَمُوتَ. وقد رُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِىَ بسارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً، فقال: "اقْطَعُوهُ، واحْسِمُوهُ" (١٢). وهو حديثٌ فيه مَقالٌ. قالَه ابنُ المنذِرِ. ومِمَّنِ اسْتَحَبَّ ذلك الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وغيرُهما من أهلِ العلم. ويكون الزَّيْتُ من بيتِ المالِ. لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ به القاطِعَ، وذلك يقْتَضِى أن يكونَ من بيتِ المالِ، فإن لم يَحْسِمْ، فذَكَرَ القاضي أنَّه لا شَىْءَ عليه؛ لأنَّ عليه القَطْعَ، لا مُداوةَ المَحْدُودِ. ويُسْتحَبُّ للمقْطوعِ حَسْمُ نفسِه، فإن لم يفْعَلْ لم يَأْثَمْ؛ لأنَّه تَرَكَ التَّدَاوىَ في المرضِ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِى.


(٧) سورة التحريم ٤.
(٨) سورة المائدة ٣٣.
(٩) أخرجه عبد الرزاق، في: باب قطع السارق، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ١٨٥.
(١٠) في م: "الشرك".
(١١) أخرجه البيهقي، في: باب السارق يسرق أولا. . ., من كتاب السرقة. السنن الكبرى ٨/ ٢٧١. وعبد الرزاق، في: باب قطع السارق، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ١٨٥. وابن أبي شيبة، في: باب في الرجل تقطع. . ., من كتاب الحدود. المصنف ١٠/ ٢٩.
(١٢) أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٠٢، ١٠٣. والبيهقي، في: باب السارق يسرق أولا. . ., من كتاب السرقة. السنن الكبرى ٨/ ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>