للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سائِرُها. وهذا قولُ ابنِ مسعودٍ، وعَطاءٍ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، والأَوْزَاعِىِّ، وحَمَّادٍ، ومالِكٍ، وأبي حنيفةَ. وقال الشافِعِىُّ: يُسْتَوْفَى جميعُها؛ لأنَّ ما وجبَ مع غيرِ القتلِ، وجَبَ مع القتلِ، كقَطْعِ اليدِ قِصاصًا. ولَنا، قولُ ابنِ مسعودٍ، قال سعيدٌ: حدثنا حَسَّانُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا مُجالِدٌ، عن عامِرٍ، عن مَسْروقٍ، عن عبدِ اللَّه، قال: إذا اجتمعَ حَدَّانِ، أحدُهما القتلُ، أحاطَ القتلُ بذلك (٢٣). وقال إبراهيمُ: يكْفِيه القتلُ. وقال: حدَّثنا (٢٤) هُشَيْمٌ، أخْبرنا حَجَّاجٌ، عن إبراهيمَ، والشَّعْبِىِّ، وعَطَاءٍ، أنَّهم قالوا مثلَ ذلك. وهذه أقوالٌ انْتَشرَتْ في عصرِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعين، ولم يَظْهَرْ لها (٢٥) مُخالِفٌ، فكان إجماعًا، ولأنَّها حُدُودٌ للهِ تعالى فيها قَتْلٌ، فسقطَ ما دُونَه، كالمُحارِبِ إذا قَتَلَ وأخذَ المالَ، فإنَّه يُكْتَفَى بقَتْلِه، ولا يُقْطَعُ، ولأنَّ هذه الحدودَ تُرادُ لِمُجَرَّدِ الزَّجْرِ، ومع القتلِ لا حاجةَ إلى زَجْرِه، ولا فائدةَ فيه، فلا يُشْرَعُ. ويفارِقُ القِصاصَ؛ فإنَّ فيه غَرَضَ التَّشَفِّى والانْتقامِ، ولا يُقصَدُ منه مُجَرَّدُ الزَّجْرِ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّه إذا وُجِدَ ما يُوجِبُ الرَّجْمَ والقتلَ للمُحارَبَةِ، أو القتلَ للرِّدَّةِ، أو لتَرْكِ الصَّلاةِ، فيَنْبَغِى أن يُقْتَلَ للمُحارَبةِ، ويسْقُطَ الرَّجْمُ؛ لأنَّ في القتلِ للمُحارَبةِ حَقَّ آدَمِىٍّ في القِصاصِ، وإنَّما أثَّرَتِ المُحارَبةُ في تَحَتُّمِه (٢٦)، وحَقُّ الآدَمِىِّ يجبُ تَقْدِيمُه. النوع الثاني، أنْ لا يكونَ فيها قتلٌ، فإنَّ جميعَها يُسْتَوْفَى، من غيرِ خلافٍ نعلمُه، ويُبْدَأُ بالأخَفِّ فالأخَفِّ، فإذا شَرِبَ وزَنَى وسرقَ، حُدَّ للشُّرْبِ أولًا، ثم حُدَّ للزِّنَى، ثم قُطِعَ للسَّرِقَةِ. وإن أخذَ المالَ في المُحاربةِ، قُطِعَ لذلك، ويدخلُ فيه القطعُ للسَّرِقَةِ؛ ولأنَّ مَحَلَّ القطْعَيْن واحِدٌ، فتَداخَلا، كالقَتْلَيْنِ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يُتَخَيَّرُ بينَ الْبَداءةِ بِحَدِّ الزِّنَى وقَطْعِ السَّرِقةِ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما ثبتَ بنَصِّ القرآن، ثم يُحَدُّ للشُّرْبِ. ولَنا، أنَّ حَدَّ الشُّرْبِ أخفُّ (٢٤)، فيقَدَّمُ، كحَدِّ القَذْفِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ


(٢٣) تقدم تخريجه، في صفحة ٣١٣.
(٢٤) سقط من: ب.
(٢٥) في ب: "لهم".
(٢٦) في م: "تحريمه". ولعل الصواب: "تحتيمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>