للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّ الشُّربِ غيرُ منصوصٍ عليه، [فإنَّه مَنْصُوصٌ عليه] (٢٧) في السُّنَّةِ، ومُجْمَعٌ على وُجوبِه، وهذا التَّقْديمُ على سبيلِ الاسْتِحْبابِ. ولو بَدَأَ بغيرِه، جازَ ووقَعَ المَوْقِعَ. ولا يُوالَى بينَ هذه الحدودِ؛ لأنَّه رُبَّما أَفْضَى إلى تَلَفِه، بل متى بَرَأَ من حَدٍّ أُقِيمَ الذي يَلِيه. القسم الثاني، الحدودُ الخالصَةُ (٢٨) للآدَمِيِّ، وهو القِصَاصُ، وحَدُّ القَذْفِ، فهذه تُسْتَوْفَى كلُّها، ويُبْدَأُ بأخفِّها، فيُحَدُّ للقذفِ، ثم يُقْطَعُ، ثم يُقْتَلُ؛ لأنَّها حُقوقٌ لآدَمِيِّينَ (٢٩) أمْكنَ اسْتيفاؤُها، فوجبَ، كسائرِ حقوقِهم. وهذا قولُ الأوْزاعِىِّ، والشَّافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: يدْخُلُ ما دونَ القتلِ فيه، احْتجاجًا بقولِ ابنِ مسعودٍ، وقياسًا على الحُدودِ الخالصةِ للَّه تعالى. ولَنا، أنَّ ما دونَ القتلِ حَقٌّ لآدَمِىٍّ، فلم (٣٠) يسْقُطْ به كدُيُونِهم (٣١)، وفارقَ حَقَّ اللهِ تعالى، فإنَّه مَبْنِىٌّ على المُسامَحَةِ. القسم الثالث، أن تجتمعَ [حدودٌ للهِ وحدودٌ لآدَمِيِّين، فهذه] (٣٢) ثلاثةُ أنواعٍ؛ أحدُها، أن لا يكونَ فيها قتلٌ، فهذه تُسْتَوْفَى كلُّها. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ. وعن مالِكٍ، أنَّ حَدَّىِ الشُّرْبِ والقَذْفِ يتَداخلانِ، لاسْتوائِهما، فهما كالقَتْلَينِ والقَطْعَيْنِ. ولَنا، أنَّهما حَدَّانِ من جِنْسَين، لا يفُوتُ بهما المحَلُّ، فلم يتَداخَلَا، كحدِّ الزِّنَى والشُّرْبِ، ولا نُسَلِّمُ اسْتواءَهما، فإنَّ حَدَّ الشُّرْبِ أربعونُ، وحَدَّ القذفِ ثمانون، وإن سُلِّم اسْتواؤُهما، لم يَلْزَمْ تَداخلُهما؛ لأنَّ ذلك لو اقْتَضَى تَداخُلَهما، لَوجبَ دُخُولُهما في حَدِّ الزِّنَى؛ لأنَّ الأقَلَّ ممَّا يتداخلُ يَدْخُلُ في الأكثرِ، وفارقَ القَتْلَيْن والقَطْعَيْنِ؛ لأنَّ المحَلَّ يفُوتُ بالأوَّلِ، فيتعَذَّرُ اسْتيفاءُ الثاني، وهذا بخلافِه. فعلى هذا، يُبْدَأُ بحَدِّ القذفِ؛ لأنَّه اجْتَمعَ فيه معنيانِ، خِفَّتُه، وكونُه حَقًّا لآدَمِيِّ شحيحٍ، إلَّا إذا قُلْنا: حَدُّ الشُّرْبِ أربعون.


(٢٧) سقط من: م. نقل نظر.
(٢٨) في ب، م: "الخاصة".
(٢٩) في ب، م: "للآدميين".
(٣٠) في ب: "فلا".
(٣١) في ب، م: "كذنوبهم".
(٣٢) في ب، م: "حدود اللَّه وحدود الآدميين وهذه".

<<  <  ج: ص:  >  >>