للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعْزيرِ المَنْعُ، ومنه التَّعْزِيرُ بمعنى النُّصْرَةِ؛ لأنَّه مَنعٌ لعَدُوِّه مِن أذاهُ. واختَلَفَ عن أحمدَ في قَدْرِه، فرُوِىَ عنه أنَّه لا يُزَادُ على عشرِ جَلَداتٍ، نَصَّ أحمدُ على هذا في مَواضِعَ. وبه قال إسحاقُ؛ لِمَا رَوَى أبو بُرْدَةَ قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لَا يَجْلِدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، إلَّا في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّه تَعَالَى". مُتَّفَقٌ عليه (٢). والرِّوايةُ الثانيةُ: "لا يبلُغُ به الحَدَّ". . وهو الذي ذكرَ (٣) الْخِرَقِىُّ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ، لا يبْلُغُ به أدْنَى حَدٍّ مَشْروعٍ. وهذا قولُ أبى حَنيفةَ، والشَّافِعِىِّ. فعلى هذا لا يبْلُغُ به أربعين سَوْطًا؛ لأنَّها حَدُّ العَبْدِ في الخَمْرِ والقَذْفِ، وهذا قولُ أبى حَنيفةَ. وإن قُلْنا: إنَّ حَدَّ الخمرِ أربعون، لم يبلُغْ به عشرين سوطًا في حَقِّ العبدِ، وأربعين في حَقِّ (٤) الحُرِّ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِى. فلا يُزَادُ العبدُ على تسعةَ عشرَ سوطًا، ولا الحُرُّ على تسعةٍ وثلاثين سَوْطًا (٥). وقال ابنُ أبي ليلى، وأبو يوسفَ: أدْنَى الحدودِ ثمانون، فلا يُزَادُ في التَّعْزِيرِ على تسعةٍ وسبعين. ويَحْتَمِلُ كلامُ أحمدَ والخِرَقِىِّ، أنَّه لا يبلُغُ بكلِّ جنايةٍ حَدًّا مشروعًا في جِنْسِها، ويجوزُ أن يَزِيدَ على حَدِّ غيرِ جِنْسِها. ورُوِىَ عن أحمدَ ما يدُلُّ على هذا. فعلى هذا، ما كان سببُه (٦) الوَطْءُ، جازَ أن يُجْلَدَ مائةً إلَّا سَوْطًا؛ ليَنْقُصَ عن حَدِّ الزِّنَى، وما كان سببُه غيرَ الوَطْءِ، لم يبْلُغْ به أدْنَى الحدودِ؛ لِمَا رُوِىَ عن النُّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ, في الذي وَطِىءَ جاريةَ امرأتِه بإذْنِها، أنَّه (٧) يُجْلَدُ مائةً (٨). وهذا تَعْزِيرٌ؛ لأنَّه في حَقِّ الْمُحْصَنِ، وحَدُّهُ


(٢) أخرجه البخاري، في: باب كم التعزير والأدب؟ من كتاب الحدود. صحيح البخاري ٨/ ٢١٥. ومسلم، في: باب قدر أسواط التعزير، من كتاب الحدود. صحيح مسلم ٣/ ١٣٣٢، ١٣٣٣.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في التعزير، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٧٦. والترمذي، في: باب في التعزير، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٤٩، ٢٥٠. وابن ماجه، في: باب التعزير، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦٧. والدارمى، في: باب التعزير في الذنوب، من كتاب الحدود. سنن الدارمي ٢/ ١٧٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٤٥.
(٣) في م: "ذكره".
(٤) في م: "حد".
(٥) سقط من: الأصل، ب.
(٦) في ب: "سبب".
(٧) سقط من: م.
(٨) تقدم تخريجه، في صفحة ٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>