للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخُمسِ، فكيف يُتَصَوَّرُ أخذ ثُلثِ الخُمْسِ من خُمْسِ الخُمْسِ؟ فهذا محالٌ، فتعَيَّنَ أنْ يكونَ ذلك من غيرِه، أو أنَّ النَّفَلَ كان للسَّرِيَّةِ دونَ سائرِ الجيشِ. على أنَّ ما رَوَيْناه صريحٌ (١٠) في الحُكْمِ، فلا يُعارَضُ بشيءٍ مُسْتَنْبَطٍ، يَحْتَمِلُ غيرَ ما حمَلَه عليه مَن اسْتَنْبَطَه. إذا ثَبَتَ هذا، فظاهِرُ كلامِ أحمد أنَّهُم إنَّما يستحِقُّون هذا النَّفَلَ بالشَّرْطِ السَّابقِ، فإنْ لم يكُنْ شَرَطَه لهم فَلا، فإنَّه قيلَ له: أليسَ قد نفَّلَ رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الْبَداءةِ الرُّبعَ، وفى الرُّجوعِ الثُّلثَ؟ قال: نعم، ذاك إذا نَفَّلَ، وتقدَّمَ القولُ فيه. فعلى هذا إنْ رأَى الإِمامُ أنْ لا يُنَفِّلَهم شيئًا، فله ذلك، وإنْ رأَى أنْ يُنَفِّلَهم دونَ الثُّلثِ والرُّبعِ، فله ذلك؛ لأنَّه إذا جازَ أنْ لا يَجْعَلَ لهم شيئًا، جازَ أنْ يجعلَ لهم شيئًا يَسِيرًا، ولا يجوز أن يُنَفِّلَ أكثرَ من الثُّلثِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ مَكْحُولٍ، والأوْزَاعِىِّ، والجُمْهورِ من العلماء. وقال الشافِعِىُّ: لا حَدَّ للنَّفَلِ، بل هو مَوْكولٌ إلى اجتهادِ الإِمامِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَفَّلَ مرَّةً الثُّلُثَ وأخْرَى الرُّبعَ. في حديثِ ابن عمرَ: نفَّلَ. نصفَ السُّدسِ. فهذا يدُلُّ على أنَّه ليسَ للنّفَلِ حَدٌّ لا يتجاوزُه الإِمامُ، فيَنْبَغِى أن يكونَ مَوْكُولًا إلى اجْتهادِهِ. ولَنا، أنَّ نَفَلَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- انْتَهَى إلى الثُّلثِ، فيَنْبَغِى أنْ لا يتَجاوزَه، وما ذكَرَه الشافِعِىُّ يدلُّ على أنَّه ليس لأقَلِّ النَّفَلِ حَدٌّ، وأنَّه يجوزُ أنْ يُنَفِّلَ أقلَّ من الثُّلثِ والرُّبعِ، ونحن نقولُ به، على أنَّ هذا القَوْلَ مع قولِه: إنَّ النّفَلَ من خُمْسِ الخُمْسِ. تناقُضٌ. فإنْ شَرَطَ لهم الإِمامُ زيادةً على الثُّلثِ، رُدُّوا إليه. وقال الأوْزَاعِىُّ: لا ينْبَغِى أنْ يشْرِطَ النِّصْفَ، فإن زادَهُم على ذلك، فلْيَفِ لهم بِه، ويجْعَلْ ذلك من الخُمْسِ. وإنَّما زِيدَ في الرَّجْعَةِ على البَداءَةِ في النَّفلِ؛ لمَشقَّتِها، فإنّ الجيشَ في الْبَداءَةِ رِدْءٌ للسَّرِيَّةِ، تابعٌ لها، والعدُوُّ خائِفٌ، وربَّما كان غارًّا، وفى الرَّجْعةِ لا رِدْءَ للسَّرِيَّةِ؛ لأنَّ الجيشَ مُنْصَرِفٌ عنهم، والْعَدُوَّ مستيقظٌ كَلِبٌ. قال أحمد: في الْبَداءةِ إذا كان ذاهبًا الرُّبعُ، وفى القَفْلَةِ إذا كان في الرُّجوعِ الثُّلثُ؛ لأنَّهم يشْتاقُون إلى أهْلِيهم، فهذا أكبرُ. القسم الثاني، أنْ يُنفِّلَ الإِمامُ بعضَ الجيشِ؛ لغَنائِه وبَأْسِه وبَلائِه، أو لمَكْروهٍ تحمَّلَه دونَ سائرِ الجيشِ. قال أحمد: في


(١٠) في الأصل: "صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>