للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا حديثُ ابْنِ مسعودٍ، فقال ابنُ المبارَك: لم يَثْبُتْ. وحديثُ البَراءِ، قالَ ابْنُ عُيَيْنَة: حدَّثنا يَزِيدُ بنُ أبى زِيادٍ، عن ابنِ أبي لَيْلَى، ولم يَقُلْ: ثُمَّ لَا يَعُودُ. فلما قَدِمْتُ الكُوفَةَ سَمِعْتُه يُحَدِّثُ به، فيقولُ: لا يَعُودُ. فَظَنَنْتُ أنَّهم لَقَّنُوه. وقال الحُمَيْدِىُّ (١٢)، وغيرُهُ: يَزِيدُ بنُ أبِى زيادٍ سَاءَ حِفظُه في آخِرِ عُمْرِهِ، وخَلَّطَ. ثم لو صَحَّا كانَ التَّرْجِيحُ لأحادِيثِنا أوْلَى لخمسةِ أوْجُهٍ: أحدُها، أنَّها أَصَحُّ إسْنَادًا، وأعدَلُ رُوَاةً، فالحَقُّ إلى قولِهم أقْرَبُ. الثَّانِى، أنَّها أَكْثَرُ رُوَاةً، فظَنُّ الصِّدْقِ في قَوْلِهمْ أقْوَى, والغَلَطُ منهم أبْعَدُ. الثَّالثُ، أنَّهمْ مُثْبِتُونَ، والمُثْبِتُ يُخْبِرُ عن شيءٍ [شاهَدَه ورَآهُ] (١٣). فقَوْلُه يَجِبُ تَقْدِيمُه لِزِيَادَةِ عِلْمِه. والنَّافِى لم يَرَ شيئًا، فلا يُؤْخَذُ بقَوْلِه، ولذلكَ قَدَّمْنَا قولَ الجَارِحِ على المُعَدِّلِ. الرَّابِعُ، أنهم مُثْبِتُون (١٤) فَصَّلُوا في رِوَايَتِهم، ونَصُّوا على الرَّفْعِ في الحَالتَيْنِ المُخْتَلَفِ فيهما، والمُخَالِفُ لهم عَمَّمَ (١٥) بِروَايَتِه، المُخْتَلَفَ فيه وغيرَهُ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ أحاديثِنا لنَصِّها وخُصُوصِهَا، على أحَادِيثِهِم العامَّة، التي لا نَصَّ فيها كما يُقَدَّمُ الخَاصُّ على العامِّ، والنَّصُّ على الظاهِرِ المُحْتَمِلِ. الخَامِسُ، أنَّ أحاديثَنا عَمِلَ بها السَّلَفُ مِن الصَّحابَةِ والتَّابِعِينَ، فيَدُلُّ ذلك على قُوَّتِها. وقولُهم: إنَّ ابنَ مسعودٍ إمَامٌ. قُلْنا: لا نُنْكِرُ فَضْلَه، لكن بحَيْثُ يُقَدَّمُ على أمِيرَىِ المُؤْمِنِينَ عمرَ وعَلِىّ وسائِرِ مَن معهُمْ! كَلَّا، ولا يُساوِى واحِدًا منهم، فكيفَ يُرَجَّحُ على جميعِهم؟ مع أنَّ ابْنَ مسعودٍ قد تُرِكَ قولُهُ [في الصلاة] (١٦) في أشْياء، منها أنَّهُ كان يُطَبِّقُ في الرُّكُوعِ، يضعُ يدَيْه بينَ رُكْبَتَيْهِ، فلم يُؤْخَذْ بِفِعْلهِ، وأُخِذَ بِرِوَايةِ غيرِه في وَضْعِ اليدينِ على الرُّكْبَتَيْن، وتُرِكَتْ قِرَاءَتُه وأُخِذَ بقِرَاءَةِ زَيْدِ بنِ ثابتٍ، وكانَ لا يَرَى


(١٢) أبو بكر عبد اللَّه بن الزبير بن عيسى الحميدي الحافظ، عالم أهل مكة، كان إماما حجة، توفى سنة تسع عشرة ومائتين. التاريخ الكبير، للبخاري ٣/ ١/ ٩٦، ٩٧، العبر ١/ ٣٧٧.
(١٣) في م: "شاهد ورواه".
(١٤) سقط من: م.
(١٥) في م: "عمهم".
(١٦) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>