للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضِى: هذا محمُولٌ على اسْتِئْجارِ مَنْ لا يَجِبُ عليه الجهادُ، [كالعبيدِ والكُفَّارِ. أمَّا الرِّجالُ المسلمون (١) الأَحْرارُ، فلا يصِحُّ اسْتِئْجارُهم على الجهادِ] (٢)؛ لأنَّ الغَزْوَ يتعَيَّنُ بحضُورِه على مَنْ كان من أهْلِه، فإذا تعيَّنَ عليه الفَرْضُ، لم يجُزْ أَنْ يفْعَلَه عن غيرِه، كمَنْ عليه حِجَّةُ الإِسلامِ، [لا يجوزُ] (٣) أَنْ يحُجَّ عن غيرِه. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ كلامُ أحمدَ والخِرَقِىِّ على (٤) ظاهِرِه، فى صِحَّةِ الاسْتِئْجارِ على الغَزْوِ لمَن لم يتعيَّنْ عليه؛ لما رَوَى أبو داوُدَ (٥)، بإسْنادِه عَن عبد اللَّه بن عمرٍو، أَنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لِلْغَازِى أَجْرُه، ولِلْجَاعِلِ أجْرُهُ [وَأَجْر الْغَازِى] (٦) ". ورَوَى سعيدُ بن منصورٍ (٧)، عنِ جُبَيْر بن نُفَيْرٍ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِى، ويَأْخُذُون الْجُعْلَ، ويَتَقَوَّوْنَ بهِ عَلَى عدُوِّهِمْ، مَثَلُ أُمِّ مُوسَى، تُرْضِعُ وَلَدَهَا، وتَأْخُذُ أجْرَهَا". ولأنَّه أمرٌ لا يخْتَصُّ فاعلُه أَنْ يكونَ من أهلِ القُرْبَةِ، فصحَّ الاسْتِئْجارُ عليه، كبناء المساجِدِ، [أو لم] (٨) يتعيَّنْ عليه الجهادُ، فصَحَّ أَنْ يُؤْجِرَ نفسه عليه كالعَبْدِ. ويفارِقُ الحجَّ، حيثُ إنَّه ليس بفرْضِ عَيْنٍ، وإنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليه، وفى المنْعِ من أخْذِ الجُعْلِ عليه تَعْطيلٌ له، ومَنْعٌ له مِمَّن (٩) فيه للمسلمين نَفْعٌ، وبهم إليه حاجَةٌ، فينْبَغِى أَنْ يجوزَ، بخلافِ الحَجِّ. إذا ثبَتَ هذا، فإنْ قُلْنا بالأوَّل، فالإِجارَةُ فاسِدَةٌ، وعليه الأُجْرَةُ يَرُدُّها، وله سَهْمُه؛ لأَنَّ غَزْوَه بغيرِ أُجْرَةٍ. وإِنْ قُلْنا بصحَّتِه، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ والخِرَقِىِّ، رَحِمَهما اللَّه، أنَّه لا يُسْهَمُ (١٠) له؛ لأنَّ غَزْوَه بعِوَضٍ، فكأنَّه واقِعٌ من غيرِه، فلا يسْتَحِقُّ شيئًا. وقد


(١) فى م: "والمسلمون".
(٢) سقط من: ب. نقل نظر.
(٣) فى أ، ب: "لم يجز".
(٤) فى ب: "و".
(٥) فى: باب الرخصة فى أخذ الجعائل، من كتاب الحهاد. سنن أبى داود ٢/ ١٦.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ١٧٤.
(٦) سقط من: م.
(٧) فى: باب ما جاء فى الرجل يغزو بالجعل، من كتاب الجهاد، السنن ٢/ ١٤١.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى كراهية أخذ الجعائل، من كتاب السير. السنن الكبرى ٩/ ٢٧.
(٨) فى الأصل: "ولم".
(٩) فى م: "مما".
(١٠) فى م: "سهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>