للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يصْلُحُ، لم يُحَكَّمْ، ويُرَدُّونَ إلى مَأْمَنِهم كما كانُوا. وأمَّا صِفَةُ الحُكْمِ، فإنْ حَكَمَ أَنْ (٢٤) تُقْتَلَ مُقاتِلّتُهم، وتُسْبَى (٢٥) ذَرارِيُّهم، نُفِّذَ حُكْمُه؛ لأنَّ سعدَ بن مُعاذٍ حَكَمَ فى بنى قُرَيْظَةَ بذلك، فقالَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أرْقِعَةٍ". وإِنْ حَكَمَ بالمَنِّ على المُقاتِلَةِ، وسَبْىِ الذُّرِّيَّةِ، فقال القاضى: يَلْزَمُ حكمُه. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ الحُكْمَ إليه فيما يَرَى المصلَحَةَ فيه، فكان له الْمَنُّ، كالإِمامِ فى الأسيرِ. واختارَ أبو الخَطَّابِ، أَنَّ حُكْمَه لا يَلْزَمُ؛ لأنَّ عليه أَنْ يَحْكُمَ بما فيه الحَظُّ، ولا حَظَّ للمسلمين فى الْمَنِّ. وإِنْ حَكَمَ بالمَنِّ على الذُّرِّيَّةِ، فَيَنْبَغِى أَنْ لا يجوزَ؛ لأنَّ الإِمامَ لا يَمْلِكُ المَنَّ على الذُّرِّيَّةِ إذا سُبُوا، فكذلك الحاكِمُ. ويَحْتَمِلُ الجوازَ؛ لأنَّ هؤلاء لم يَتَعَيَّن السَّبْىُ فيهم، بخلافِ مَنْ سُبِىَ، فإنَّه يصيرُ رَقِيقًا بنَفْسِ السَّبْىِ. وإن حَكَمَ عليهم بالفِداءِ، جاز؛ لأنَّ الإِمامَ يَتَخَيَّرُ (٢٦) فى الأَسْرَى بين القَتْلِ والفِداءِ، والاسْتِرقافِ والمَنِّ، فكذلك الحاكِمُ. وإِنْ حَكَمَ عليهم بإعْطاءِ الجِزْيَةِ، لم يَلْزَمْ حُكْمُه؛ لأنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَقدُ مُعاوَضَةٍ، فلا يثْبُتُ إلَّا بالتَّرَاضِى، ولذلك لا يَمْلِكُ الإِمامُ إجْبارَ الأسيرِ على إعْطاءِ الجزْيَةِ. وإِنْ حَكَمَ بالقَتْلِ والسَّبْىِ، جازَ للإِمامِ المَنُّ على بَعْضِهم؛ لأنَّ ثابِتَ بن قَيْس سَأَلَ فى الزُّبَيرِ بن بَاطا، من قُرَيْظَةَ، ومالِه، رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأجابَه (٢٧). ويُخالِفُ مالَ الغَنِيمَةِ إذا حازَه المسلمون؛ لأنَّ مُلْكَهم اسْتَقَرَّ عليه. وإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الحُكْمِ عليهم، عَصَمُوا دماءَهُم وأموالَهُم؛ لأنَّهم أسْلَمُوا وهم أحرارٌ، وأموالُهم لهم، فلم يَجُزِ اسْتِرْقاقُهم، بخلافِ الأسيرِ، فإنَّ الأسيرَ قد ثَبَتَت اليَدُ عليه، كما تثبُتُ على الذُّرِّيَّةِ، فلذلك جازَ اسْتِرْقاتُه. وإِنْ اشْلَمُوا بعدَ الحُكْمِ عليهم، نَظَرْتَ؛ فإنْ كان قد حَكَمَ عليهم بالقَتْلِ، سَقَطَ؛ لأنَّ مَنْ أَسْلَمَ فقد (٢٨) عَصَمَ دَمَه، ولم يجُز اسْتِرْقاقُهم؛ لأنَّهم


(٢٤) سقط من: الأصل، أ.
(٢٥) فى أ: "وسبى".
(٢٦) فى م: "مخير".
(٢٧) أخرجه البيهقى، فى: باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم، من كتاب السير. السنن الكبرى ٩/ ٦٦. وذكره الواقدى، فى المغازى ٢/ ٥١٦، ٥١٧.
(٢٨) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>