للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: هم يُسْبِتُون. وقال مُجاهِد: هم بينَ اليهودِ والنَّصارَى. وقال السُّدِّىُّ والرَّبِيعُ: هم من أهلِ الكتابِ. وَتَوَقَّفَ الشافِعِىُّ فى أمْرِهِم. والصَّحيحُ أنَّه يُنْظَرُ فيهم؛ فإنْ كَانُوا يُوافِقُون أحدَ أهلِ الكتابَيْن فى نَبِيِّهم وكتابِهم فهم منهم، وإِنْ خالَفُوهم فى ذلك فليس هم من أهلِ الكتابِ. ويُرْوَى عنهم أَنَّهم يقولُون: إنّ الفَلَكَ حَىٌّ ناطِقٌ، وإنَّ الكواكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ. فإنْ كانُوا كذلك، فهم كعَبَدَةِ الأَوْثانِ، وأِمَّا أهلُ صُحُفِ إبراهيمَ وشِيثَ وزَبُورِ داود، فلا تُقْبَلْ مِنهم الجِزْيَةُ؛ لأنَّهم من غيرِ الطائِفتَيْن، ولأنّ هذه الصُّحُفَ لم تكنْ فيها شرائِعُ، إنَّما هى مَواعِظُ وأمْثالٌ، كذلك وَصَفَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صُحُفَ إبراهيمَ وزَبُورَ داوُدَ، فى حديثِ أبى ذَرٍّ (١١). وأمّا الذين لهم شُبْهَةُ كتابٍ، فهم الْمَجُوسُ، فإنَّه يُرْوَى أنَّه كان لهم كتابٌ فرُفِعَ، فصارَ لهم بذلك شُبْهَةٌ أَوْجَبَتْ حَقنَ دمائِهم، وأَخْذَ الْجِزْيَةِ منهم، ولم ينْتَهِضْ فى (١٢) إباحَةِ نكاحِ نسائِهِم ولا ذَبائِحِهم دلِيلٌ (١٣). هذا قولُ أكثر أَهلِ العلْمِ. ونُقِلَ (١٤) عن أبى ثَوْرٍ، أَنَّهم من أهلِ الكِتابِ، وتَحِلُّ نِساؤُهم وذَبائِحهُم؛ لما رُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّه قال: أنا أعْلَمُ النَّاس بالمجُوسِ، كان لهم عِلْمٌ يَعْلَمُونه، وكتابٌ يَدْرُسونَه، وأَنّ ملِكَهُم سَكِرَ، فوقَعَ على بِنْتِه أو أخْتِه (١٥)، فاطَّلَعَ عليه بعضُ أهلِ مملَكَتِه، فلمَّا صَحَا جاءُوا يُقِيمُون عليه الحَدَّ، فامْتَنَع منهم، ودَعَا أهلَ مَمْلكَتِه، وقال: أتَعْلَمُون دِينًا خيرًا من دينِ آدَمَ، وقد أَنْكَحَ بَنِيه بَناتِه، فأنا على دينِ آدَمَ. قال: فتابَعَهُ قومٌ، وقاتَلُوا الذين يُخالِفُونه (١٦)، حتَّى قَتَلُوهم، فأصْبَحُوا وقد أُسْرِىَ بكتابهم، ورُفِعَ العِلْمُ الذى فى صُدورِهم، فهم أهلُ كتابٍ، وقد أَخَذَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكرٍ -وأُراهُ قال: وعمرُ- فهم الجِزْيَةَ. روَاه الشافِعِىُّ، وسعيدٌ، وغيرُهما (١٧). ولأنَّ


(١١) أخرجه عن أبى ذَرٍّ عبدُ بن حميد، وابن مردويه، وابن عساكر. وأورده عنهم السيوطى، فى تفسير سورة الأعلى. الدر المنثور ٦/ ٣٤١.
(١٢) فى أ، ب: "إلى".
(١٣) سقط من: الأصل، أ، ب.
(١٤) فى ب: "وروى".
(١٥) فى م: "وأخته".
(١٦) فى ب، م: "يخالفونهم".
(١٧) أخرجه الشافعى، انظر: باب ما جاء فى الجزية، من كتاب الجهاد. ترتيب المسند ٢/ ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>