للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ" (١٨). ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}. والْمَجُوسُ من غيرِ الطائِفَتَيْن، وقولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ". يدُلُّ على أَنَّهم غيرُهم. ورَوَى البُخارِىُّ (١٩)، بإِسْنادِه عن بَجالَةَ، أنَّه قال: ولم يكُنْ عمرُ أخَذَ الجِزْيَةَ من الْمَجُوسِ، حتَّى حَدَّثَه عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، أَنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخَذَها من مَجُوسِ هَجَرَ. ولو كَانُوا أهلَ كتابٍ، لَما وقَف عمرُ فى أخْذِ الْجِزْيَةِ منهم مع أمْرِ اللَّه تعالَى بأَخذِ الجِزْيَةِ من أهلِ الكتابِ. وما ذكرُوه هو الذى صارَ لهم به شُبْهَةُ الكِتابِ. وقد قال أبو عُبَيْدٍ: لا أحسبُ ما رَوَوْه عن عَلِىٍّ فى هذا مَحْفُوظًا، ولو كان له أصْلٌ، لما حَرَّمَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نِساءَهم، وهو كان أوْلَى بعِلْمِ ذلك. ويجوزُ أَنْ يصحَّ هذا مع تَحْرِيمِ نِسائِهم وذَبائِحِهم؛ لأنَّ الكتابَ المُبِيحَ لذلك هو الكتابُ المُنزَّلُ على إحْدَى الطائِفَتَيْن، وليس هؤلاء فهم، ولأنَّ كتابَهم رُفِعَ، فلم يَنْتَهِضْ [فى الإِباحَةِ] (٢٠)، وَثَبَتَ (٢١) به حَقْنُ دِمَائِهم. فأمَّا قولُ أبى ثَوْرٍ فى حِلِّ ذَبائِحِهم ونِسائِهِمْ، فيُخالِفُ الإِجْماعَ، فلا يُلْتَفَتُ إليه. وقولُه عليه السلام: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الْكِتَابِ". فى أخْذِ الْجِزْيَةِ منهم. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِن أهلِ الكِتابَيْن (٢٢) والمَجُوسِ ثابِتٌ بالإِجْماعِ، لا نَعْلَمُ فيه (٢٣) خلافًا، فإنَّ الصَّحابَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، أجْمَعُوا على ذلك، وعَمِلَ به الخُلَفاءُ الرَّاشِدون، ومَنْ بَعْدَهم إلى زَمَنِنَا هذا، من غيرِ نَكِيرٍ ولا مُخالِفٍ، وبه يقولُ أهلُ العلمِ من أهلِ الحِجَازِ والعِراقِ والشَّامِ ومصرَ وغيرِهم، مع دَلالَةِ الكتابِ على أخْذِ الْجِزْيَةِ من أهلِ الكتاب، ودَلالَةِ السُّنَّةِ على أخْذِ الْجِزْيَةِ من الْمَجُوسِ، بما رَوَيْنا من قولِ المُغِيَرةِ لأهْلِ فارِس: أَمَرَنا نَبِيُّنا أَنْ نُقاتِلَكُم حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَه، أو


= كما أخرجه البيهقى، فى: باب المجوس أهل كتاب، والجزية تؤخذ فهم، من كتاب الجزية. السنن الكبرى ٩/ ١٨٩. وام نجده فيما بين أيدينا من سنن سعيد.
(١٨) تقدم تخريجه، فى: ٩/ ٥٤٧.
(١٩) تقدم تخريجه، فى صفحة ٣٢.
(٢٠) فى أ، ب، م: "للإباحة".
(٢١) فى أ، م: "ويثبت".
(٢٢) فى م: "الكتاب".
(٢٣) فى م: "فى هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>