للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُه عليه السلام: "مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهمَا؛ عِنْدَ الذَّبيحَةِ، والعُطَاسِ". رواه أبو محمَّد الخَلَّالُ بإسْنادِه (٢٥)، ولأنَّه إذا ذَكَرَ غيرَ اللَّهِ تعالَى أَشْبَهَ المُهِلَّ لغيرِ اللَّهِ. الشَّرط الثالِثُ، أَنْ يُرْسِلَ الجارِحَةَ على الصَّيْدِ، فإنَّ اسْتَرْسَلَت بنَفْسِها فقَتَلَت، لم يُبَحْ. وبهذا قال ربيعَةُ، ومالكٌ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال عَطاءٌ، والأوْزَاعِىُّ: يُؤْكَلُ صَيْدُه إذا أَخْرَجَه للصَّيْدِ. وقال إسحاقُ: إذا سَمَّى عند انْفِلَاتِه، أُبِيحَ صَيْدُه. ورَوَى بإسْنادِه عَن ابنِ عمرَ، أنَّه سُئِلَ عن الكلابِ [تَنْفَلِتُ من مرابِضِها] (٢٦) فتَصِيدُ الصَّيْدَ؟ قال: اذكُرَ اسْم اللَّه، وكُلْ. قال إسحاقُ: فهذا الذى أخْتارُ إن (٢٧) لم يتَعمَّدْ هو إرْسالَه من غير ذِكْرِ اسْمِ اللَّه عليه. قال الخَلَّالُ: هذا على مَعْنَى قولِ أبى عبد اللَّه. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ، وسَمَّيْتَ، فكُلْ". ولأَنَّ إرسالَ الجارِحَةِ جُعِلَ بمنزِتةِ الذَّبْحِ، ولهذا اعْتُبِرَت التَّسْمِيَةُ معه، وإن استرسلَ بنَفْسِه فسمَّى صاحِبُه وزَجَرَه، فزادَ فى عَدْوِه، أُبِيحَ صَيْدُه. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافِعِىُّ: لا يباحُ. وعن مالكٍ (٢٨) كالمَذْهَبَيْن. ولَنا، أَنَّ زَجْرَه أثَّرَ فى عَدْوِه، فصارَ كما لو أُرسَلَه؛ وذلك لأنَّ فعلَ الإِنسانِ متى انْضافَ إلى فعلِ غيرِه، فالاعْتبارُ بفِعْلِ الإِنْسانِ، بدَليلِ ما لَوْ صالَ الكلبُ على إِنسانٍ، فأغْراه إنسانٌ، فالضمانُ على مَنْ أَغْراهُ. وإِنْ (٢٩) أرْسَلَه بغيرِ تَسْمِيَةٍ، ثم سمَّى وزجَره، فزادَ فى عَدْوِه، فظاهِرُ كلامِ أحمد أنَّه يُباحُ؛ فإنَّه قال: إذا أُرسلَ، ثم سَمَّى فانْزَجرَ، أو أَرسلَ وسمَّى، فالمعنى قريبٌ من السَّواء. وظاهِرُ هذا الإِباحَةُ؛ لأنَّه انْزَجَرَ بتَسْمِيَتِه وزجْرِه، فأشْبَهَ التى قبلَها. وقال القاضى: لا يُباحُ صَيْدُه؛ لأنَّ الحكم يُعَلَّقُ (٣٠) بالإِرْسالِ الأوَّل، بخلافِ ما إذا اسْتَرْسلَ بنَفْسِه، فإنَّه لا


(٢٥) وأخرج البيهقى نحوه، فى: باب الصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند الذبيحة، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى ٩/ ٢٨٦.
(٢٦) فى ب: "تفلت من مرابطها".
(٢٧) سقط من: م.
(٢٨) فى ب، م: "عطاء".
(٢٩) فى أ، ب: "ومن".
(٣٠) فى م: "يتعلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>