للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَيْمَانِكُمْ}. فمَعْناه لا تجْعَلُوا أيْمانَكم باللَّهِ مانِعَةً لكم من البِرِّ والتَّقْوَى والإِصْلاحِ بينَ الناس، وهو أَنْ يَحْلِفَ باللَّهِ أَنْ لا يفْعَلَ بِرًّا ولا تَقْوَى ولا يُصْلِحَ بيْنَ الناسِ، ثم يمتَنِعَ من فعْلِه، لِيَبَرَّ فى يَمِينِه، ولا يَحْنَثَ فيها، فنُهُوا عن المُضِىِّ فيها. قال أحمدُ، وذكرَ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ بإسْنادِه، فى قولِه تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}: الرجلُ يحْلِفُ أَنْ لا يَصِلَ قرابَتَه، وقد جعلَ اللَّه له مَخْرَجًا فى التَّكْفِيرِ، فأمَرَه أَنْ لا يعْتَلَّ باللَّهِ، وَليُكَفِّرْ (٤١)، ولْيَبَرَّ (٤٢). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لأَنْ يَسْتَلِجَّ (٤٣) أحَدُكُمْ فِى يَمِينِه، آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّه مِنْ أَنْ يُؤدِّىَ الْكَفَّارَةَ الَّتى فرَضَ اللَّه عَلَيْهِ". مُتّفَقٌ عليه (٤٤). وقال النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ". وقال: "إنِّى وَاللَّهِ لَا أَحْلِف عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وتَحَلّلْتُهَا". مُتَّفَقٌ عليهما (٤٥). وإِنْ كان النَّهْىُ عادَ إلى اليَمِينِ، فالمَنْهِىُّ عنه الحَلِفُ على تَرْكِ البِرِّ والتَّقْوَى والإِصْلاحِ بينَ الناس، لا على كُلِّ يَمِينٍ، فلا حُجَّةَ فيها لهم إذًا.

فصل: والأَيْمانُ تنْقَسِمُ خمسةَ أَقْسامٍ؛ أحدُها، واجِبٌ، وهى التى يُنْجى بها إنسانًا مَعْصُومًا من هَلَكَةٍ، كما رُوِىَ عن سُوَيد بنِ حَنْظَلَةَ، قال: خَرَجْنا نُرِيدُ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومَعَنا وائلُ بنُ حُجْرٍ، فأخَذَه عَدُوٌّ له، فتحَرَّجَ القومُ أن يحْلِفُوا، وحَلَفْتُ أَنا أنَّه أخِى، فذَكَرْتُ ذلك للنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَدَقْتَ، الْمُسْلِمُ أخُو الْمُسْلِمِ".


(٤١) فى م: "فليكفر".
(٤٢) أخرجه البيهقى، فى: باب من حلف على يمين فرأى خيرا منها. . .، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى ١٠/ ٣٣.
(٤٣) أى: يستمر فى لجاجه، فلا يعدل إلى ما هو خير من يمينه.
(٤٤) أخرجه البخارى، فى: باب قول اللَّه تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ. . .} الآية، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى ٨/ ١٦٠. ومسلم، فى: باب النهى عن الإصرار على اليمين. . .، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم ٣/ ١٢٧٦.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب النهى أن يستلج الرجل فى يمينه ولا يكفِّر، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه ١/ ٦٨٣. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٧٨، ٣١٧.
(٤٥) تقدم التخريج، فى: ١١/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>