للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} (٥٦) وقيل: المرادُ بِقَوْلِه: {وَلَا يَأْتَلِ} أى لا يَمْتَنِعْ. ولأنَّ اليمينَ على ذلك مانِعَةٌ من فِعْلِ الطَّاعَةِ، أو حامِلَةٌ على فِعْلِ المَكْروهِ، فتكونُ مكروهَةً. فإن قيل: لو كانت مكروهَةً لأنْكَرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على الأعْرابِىِّ الذى سَأَلَه عن الصلواتِ، فقال: هل علىَّ غيرُها؟ فقال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". فقال: والذى بَعَثَكَ بالحَقِّ، لا أزيدُ عليها ولا أنْقُصُ منها. ولم يُنْكِرْ عليه النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل قال: "أَفْلَحَ الرجلُ إنْ صدَقَ" (٥٧). قُلْنا: لا يلزَمُ هذا، فإنَّ اليمينَ على تَرْكِها، لا تَزِيدُ على تَرْكِها، ولو تَرَكَها لم يُنْكِرْه عليه، ويَكْفِى فى ذلك بَيانُ أَنَّ ما تَرَكَه تَطَوُّعٌ، وقد بَيَّنَه له النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقولِه: "إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". ولأَنَّ هذه اليَمِينَ إنْ تَضَمَّنَت تركَ المَنْدوبِ، فقد تَناوَلَت فِعْلَ الواجِبِ، والمُحافظَةَ عليه كلِّه، بحيث لا يَنْقُصُ منه شيئًا، وهذا فى الفَضْلِ يزيدُ على ما قابَلَه من تَرْكِ التَّطَوُّعِ، فيتَرَجَّحُ جانِبُ الإِثْباتِ بها على تَرْكِها، فيكونُ من قَبِيلِ المَنْدوبِ، فكيفَ يُنْكَرُ! ولأَنَّ فى الإِقرارِ على هذه اليَمِينِ بَيانَ حُكْمٍ مُحتْاجٍ إليه، وهو بيَانُ أَنَّ تَرْكَ التَّطَوُّعِ غيرُ مُؤاخَذٍ به، ولو أنكَرَ على الحالِفِ [على ذلك] (٥٨)، لَحَصلَ ضِدُّ هذا، وتَوَهَّمَ كثيرٌ من الناسِ لُحوقَ الإِثْمِ بِتَرْكِه (٥٩)، فيَفُوتُ الغَرَضُ. ومن قِسْمِ المكْرُوهِ الحَلِفُ فى البَيْعِ والشِّراءِ، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "الحَلِفُ مُنْفِقٌ للسِّلْعَةِ، مُمْحِقٌ للبَرَكَةِ". روَاه ابنُ ماجَه (٦٠). القسمُ الخامِسُ، المُحَرَّمُ، وهو الحَلِفُ الكاذِبُ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالَى ذَمَّهُ بقَوْلِه


(٥٦) سورة النور ٢٢. وحديث الإفك. أخرجه البخارى، فى: باب حديث الإفك، من كتاب المغازى. صحيح البخارى ٥/ ١٥٣. وانظر: الدر المنثور ٥/ ٣٤.
(٥٧) تقدم تخريجه، فى: ٢/ ٧.
(٥٨) سقط من: م.
(٥٩) فى ب زيادة: "به".
(٦٠) فى: باب ما جاء فى كراهية الأيمان فى البيع والشراء، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٤٥.
كما أخرجه البخارى، فى: باب يمحق اللَّه الربا. . .، من كتاب البيوع. صحيح البخارى ٣/ ٧٨. ومسلم، فى: باب النهى عن الحلف فى البيع، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢٢٨. وأبو داود، فى: باب فى كراهية اليمين فى البيع، من كتاب البيوع. سنن أبى داود / ٢١٩، ٢٢٠. والنسائى، فى: باب المنفق سلعته بالحلف الكاذب، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>