للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السِّكِّينُ التى يُبْرَى بها. أو يقولَ: ما لِفلانٍ عنْدِى وَدِيعَةٌ، ولا شىءٌ. يعنى بـ "ما" "الذى". أو يقولَ: ما فلانٌ ههُنا. ويعنى مَوْضِعًا بعَيْنِه. أو يقولَ: واللَّه ما أَكَلْتُ من هذا شَيْئًا، ولا أَخذْتُ منه. يعنى الباقِى بعَد أخْذِه وأَكْلِه. فهذا وأَشْباهُه ممَّا يَسْبِقُ إلى فَهْمِ السامِعِ خِلافُه، إذا عناه بيَمِينِه، فهو تَأْويلٌ؛ لأنَّه خلافُ الظَّاهِرِ. ولا يخلُو حالُ الحالِفِ المتأوِّلِ، من ثَلاثَةِ أحْوالٍ؛ أحدُها؛ أَنْ يكونَ مَظْلُومًا، مثل مَنْ يَسْتَحْلِفُه ظالِمٌ على شىءٍ، لو صَدَقَه لظَلَمَه، أو ظَلَم غَيْرَه، أو نالَ مُسْلِمًا منه ضَرَرٌ. فهذا له تَأْوِيلُه. قال مُهَنَّا: سَأَلْتُ أحمدَ، عن رَجُلٍ له امْرَأَتانِ، اسمُ كُلِّ واحِدَةٍ منهما فاطِمَةُ، فماتَتْ واحِدَةٌ منهما، فحَلَفَ بطلاقِ فاطِمَةَ، وَنَوَى التى ماتَتْ؟ قال: إِنْ كان المُسْتَحْلِفُ له ظالمًا، فالنِّيَّةُ نِيَّةُ صاحِبِ الطَّلاقِ، وإِنْ كان المُطَلِّقُ هو الظالِمَ، فالنِّيَّةُ نِيَّةُ الذى اسْتَحْلَفَ. وقد رَوَى أبو داودَ، بإسْنادِه عن سُوَيْد بنِ حَنْظَلَةَ، قال: خَرَجْنَا نُرِيدُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومَعَنا واثِلُ بنُ حُجْرٍ، فأخَذَه عَدُوٌّ له، فتَحَرَّجَ القومُ أَنْ يَحْلِفُوا، فحَلَفْتُ أنَّه أخى، فخلَّى سَبِيلَه، فأَتَيْنا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذَكَرْتُ ذلك له، فقال: "أَنْتَ أَبَرُّهُمٍ وأَصْدَقُهم، الْمُسْلِمُ أخُو الْمُسْلِمِ" (٤). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ فِى الْمَعارِيض لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ" (٥). يعنى سَعَةَ الْمَعارِيض التى يُوهِمُ بها السَّامِعَ غيرَ ما عَناهُ. قال محمدُ بنُ سِيرِينَ: الكلامُ أوْسَعُ منِ أَنْ يَكْذِبَ ظَرِيفٌ. يعنى لا يَحْتاجُ أَنْ يكْذِبَ؛ لكَثْرَةِ الْمَعاريضِ، وخَصَّ الظَّرِيف بذلك؛ يعنى به الكَيِّسَ الفَطِنَ، فإنَّه يفْطِنُ للتَّأْوِيلِ، فلا حاجَةَ به إلى الكَذِبِ. الحالُ (٦) الثانِى، أَنْ يكونَ الحالِفُ ظالمًا، كالذى يَسْتَحْلِفُه الحاكِمُ على حَقٍّ عِنْدَه، فهذا يَنْصَرِفُ يَمِينُه إلى ظاهِرِ اللَّفْظِ الذى عَناهُ المُسْتَحْلِفُ، ولا ينْفَعُ الحالِفَ تأويلُه. وبهذا قال الشافِعِىُّ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا؛ فإِنَّ أبا هُرَيْرَة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَمِينُكَ عَلَى ما يُصَدِّقُكَ بِهِ صاحِبُكَ". روَاه مسلمٌ، وأبو داود (٧).


(٤) تقدم تخريجه، فى صفحة ٤٤١.
(٥) أخرجه البيهقى، فى: باب المعاريض فيها مندوحة عن الكذب، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى ١٠/ ١٩٩.
(٦) فى الأصل، أ، ب هنا وفيما يلى: "الوجه". وما فى م مطابق للإجمال السابق.
(٧) أخرجه مسلم، فى: باب يمين الحالف على نية المستحلف، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم ٣/ ١٢٧٤. وأبو داود، فى: باب المعاريض فى الأيمان، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود ٢/ ٢٠٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>