للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالتْ: اطْلُبُوه فى المَسْجِد. وقال له رجلٌ: إنِّى ذكَرْتُ رجُلًا بشىءٍ، فكيف لى أَنْ أَعْتَذِرَ إليه؟ قال: قُلْ له: واللَّهِ إنَّ اللَّهَ يعلَمُ ما قُلْتُ من ذلك من شَىءٍ. وقد كان النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمْزَحُ، ولا يقولُ إِلَّا حَقًّا (١٦)، ومُزاحُه أَنْ يُوهِمَ السَّامِعَ بكلامِه غيرَ ما عَناهُ، وهو التَّأْويلُ، فقال لِعَجوزٍ: "لا تَدْخُلُ الجَنَّةَ عجُوزٌ" (١٧). يعنى أَنَّ اللَّه يُنْشِئُهُنَّ أَبْكارًا عُرُبًا أَتْرابًا. وقال أَنَس: إن رجُلًا جاءَ إلى النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسولَ اللَّه، احْمِلْنِى. فقال رسولُ اللَّه: "إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ" (١٨). قال: وما أَصْنَعُ بوَلَدِ النَّاقَةِ؟ قال: "وهَلْ تَلِدُ الإِبلَ إِلَّا النُّوقُ؟ ". روَاه أبو داود (١٩). وقال لامْرَأَةٍ وقد ذَكَرَت له زَوْجَها: "أهُوَ الذِى فِى عَيْنِهِ بَيَاضٌ". فقالتْ: يا رَسُولَ اللَّه، إنَّه لَصَحِيحُ العَيْنِ (٢٠). وأرادَ النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبياضِ (٢١) الذى حولَ الحَدَق. وقال لرجُلٍ احْتَضَنَه مِن ورائِه: "مَنْ يَشْتَرِى (٢٢) العَبْدَ؟ ". فقال: يا رسولَ اللَّهَ، تَجِدُنِى إذًا كاسِدًا. قال: "لكِنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ لَسْت بِكاسِدٍ" (٢٣). وهذا كُلُّه من التأوِيلِ والْمَعاريضِ، وقد سَمّاه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَقًّا، فقال: "لَا أَقُولُ إلا حَقًّا" (١٦). ورُوِىَ عن شُرَيْحٍ، أنَّه خرجَ من عند زيادٍ، وقد حَضَرَه الموتُ، فقيل له: كيف تَرَكْتَ الأَمِيرَ؟ قال: ترَكْتُه يأمرُ ويَنْهَى. فلمَّا ماتَ قيل له: كيف قُلْتَ ذلك؟ قال: تَرَكْتُه يأمُر بالصَّبْرِ، ويَنْهَى عن البُكاءِ والجَزَعِ. ويُرْوَى عن شَقِيقٍ، أَنَّ رجُلًا خطبَ امرأَةً، وتحتَه أُخْرَى، فقالُوا: لا نُزوِّجُك حتى تُطَلِّقَ امْرَأَتَك. فقال: اشْهَدُوا أَنِّى قد طَلَّقْتُ ثلاثًا. فَزَوَّجُوه، فأقامَ على امْرَأَتِه، فقالُوا: قد طَلَّقْتَ


(١٦) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى المزاح، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى ٨/ ١٥٧. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٣٤٠، ٣٦٠.
(١٧) عزاه السيوطى إلى البيهقى فى شعب الإيمان، والطبرانى فى الأوسط. الدر المنثور ٦/ ١٥٨.
(١٨) فى م: "الناقة".
(١٩) فى: باب ما جاء فى المزاح، من كتاب الأدب. سنن أبى داود ٢/ ٥٩٦.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى المزاح، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى ٨/ ١٥٨.
(٢٠) انظر: الطبقات السنية ١/ ٦١.
(٢١) فى م: "البياض".
(٢٢) فى م زيادة: "هذا".
(٢٣) أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٣/ ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>