للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوْصافٍ؛ أَنْ يكونُوا مَساكِينَ، وهم الصِّنْفانِ اللَّذانِ تُدْفَعُ إليهم الزَّكَاةُ، المَذْكُورَانِ فى أَوَّلِ أصْنافِها (٣)، فى قولِه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (٤). والفُقَراءُ مَساكِينُ وزِيادَةٌ؛ لكَوْنِ الفقيرِ أشَدَّ حاجَةً من المِسْكينِ، على ما قَرَّرْناهُ (٥)، ولأنَّ الفَقْرَ والمَسْكَنَةَ فى غيرِ الزَّكاةِ شىءٌ واحِدٌ؛ لأنَّهُما جَمِيعًا اسمٌ للحاجَةِ إلى ما لابُدَّ منه فى الكِفايَةِ، ولذلك لو وَصَّى للفُقَراءِ، أو وَقَفَ عليهم، أو للمساكِينِ، لَكانَ ذلك لهما (٦) جميعًا، وإنَّما جُعِلَا صِنْفَيْنِ فى الزَّكَاةِ، وفُرِّقَ بينهما؛ لأنَّ اللَّه تعالى ذكرَ الصِّنْفَيْن جميعًا باسْمَيْن، فاحْتِيجَ إلى التَّفْرِيقِ بينهما، فأمَّا فى غيرِ الزَّكاةِ، فكُلُّ واحِدٍ من الاسْمَيْنِ يُعَبَّرُ به عن الصِّنْفَيْنِ؛ لأَنَّ جِهَةَ اسْتِحْقاقِهِم واحِدَةٌ، وهى الحاجَةُ إلى ما تَتِمُّ به الكِفايَةُ، ولا يجوزُ صَرْفُها إلى غيرِهم، سواءٌ كان مِن أصْنافِ الزّكاةِ، أو لم يَكُنْ؛ لأَنَّ اللَّه تعالى أمَرَ بها للمَساكِينِ، وخَصَّهم بها، فلا تُدْفَعُ إلى غيرِهم، ولأنَّ القَدْرَ المَدْفوعَ إلى كلِّ واحدٍ من الكَفَّارةِ قَدْرٌ يَسِيرٌ، يُرادُ به دَفْعُ حاجَةِ يَوْمِه فى مُؤْنَتِه، وغيرُهم من الأَصْنافِ لا تَنْدَفِعُ حاجَتُهم بهذا؛ لكَثْرَةِ حاجَتِهم، وإذا صَرَفُوا ما يَأْخُذُونَه فى حاجَتِهم، صَرَفُوه إلى غيرِ ما شُرِعَ له. الثانى، أَنْ يكونُوا أحْرارًا، فلا يُجْزِئُ دَفْعُها إلى عَبْدٍ (٧)، ولا مُكاتَبٍ، ولا أُمِّ وَلَدٍ. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ. واختارَ الشريفُ أبو جعفر جَوازَ دَفْعِها إلى مُكاتَبِ نفسِه وغيرِه. وقال أبو الخَطَّاب: يتَخرَّجُ جَوازُ دَفْعِها إليه، بناءً على جَوازِ إعْتاقِه فى كَفَّارَتِه؛ لأنَّه يأْخُذُ من الزكاةِ لحاجَتِه، فأشْبَهَ المِسْكِينَ. ولَنا، أَنَّ اللَّه تعالَى عَدَّه صِنْفًا فى الزَّكاةِ غيرَ صِنْفِ الْمَساكينِ، ولا هو فى مَعْنى المساكِينِ؛ لأنَّ حاجَتَهُ مِن (٨) غيرِ جِنْسِ حاجَتِهم، فيَدُلُّ (٩) على أنَّه ليس بمِسْكين، والكفَّارَةُ إنَّما هى للمساكينِ؛ بدليلِ الآيَةِ، ولأَنَّ المِسْكينَ يُدْفَعُ إليه لتتمَّ كفايَتُه، والمُكاتَبُ إنَّما يأْخذُ لِفَكاكِ رَقَبَتِه، أمَّا


(٣) فى م: "أصنافهم".
(٤) سورة التوبة ٦٠.
(٥) فى م: "بيناه". وتقدم فى: ٩/ ٣٠٦.
(٦) فى ب، م: "لهم".
(٧) لم يرد فى: الأصل.
(٨) سقط من: م.
(٩) فى م: "فدل".

<<  <  ج: ص:  >  >>