للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمدُ، فى رِوايَةِ صالِحٍ، وحَنْبَلٍ، فى مَن حَلَفَ على امْرَأَتِه لا تَدْخُلُ بَيْتَ أَخِيهَا: لا (١٦) تَطْلُقُ حتى تَدْخُلَ كُلُّها، ألا تَرَى أَنَّ عَوْفَ بنَ مالِكٍ، قال: كُلِّى أو بَعْضِى (١٧)؟ لأَنَّ الكُلَّ لا يكونُ بعضًا، والبعضَ لا يكونُ كُلًّا. وهذا اختيارُ أبى الخطابِ، ومَذْهَبُ أبى حَنِيفةَ، والشافِعِىِّ. وهكذا كُلُّ شَىءٍ حَلَفَ أَنْ لا يَفْعَلَه، ففَعَلَ بَعْضَه، لا يَحْنَثُ حتى يفْعَلَه (١٨) كُلَّه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُخْرِجُ رَأْسَهُ إلى عائِشَةَ وهو مُعْتَكِفٌ، فَتُرَجَّلُه وهى حائِضٌ (١٩). والمُعْتَكِفُ ممنوعٌ من الخُروجِ من المَسْجِدِ، والحائِضُ مَمْنُوعَةٌ من اللُّبْثِ فيه. ورُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال لأُبَىِّ بن كَعْبٍ: "إنِّى لَا أَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُعَلِّمك سُورَةً"، فلَمَّا أَخْرَجَ رِجْلَهُ منَ المَسْجِدِ عَلَّمَهَ إيَّاهَا (٢٠). ولأَنَّ يَمِينَهُ تَعَلَّقَت بالجميعِ، فلم تَنْحَلَّ بالبَعْضِ، كالإِثْباتِ. وهذا الخلافُ فى اليَمِينِ المُطْلَقَةِ، فأمَّا إِنْ نَوَى [الجميعَ أو البَعْضَ فيَمِينُه على ما نَوَى] (٢١). وكذلك إن اقْتَرَنَتْ به قَرينَةٌ تَقْتَضِى أحَدَ الأَمْرَيْنِ، تَعَلَّقَت يَمِينُه به، فلو قال: واللَّهِ لا شَرِبْتُ هذا النَّهْرَ، أو هذه البِرْكة. تعلَّقَتْ يَمِينُه ببَعْضِه، وَجْهًا واحِدًا؛ لأَنَّ فِعْلَ الجميعِ مُمْتَنِعٌ، فلا ينْصَرفُ يَمِينُه إليه، وكذلك لو قال: واللَّهِ لا آكُلُ الخُبْزَ، ولا أَشْرَبُ الماءَ. وما أشْبَهَهُ ممَّا علَّقَ على اسمِ جِنْسٍ، أو عَلَّقَه على اسمِ جَمْعٍ، كالمُسْلِمين، والمُشْركِين، والفُقَراءِ، والمساكينِ، فإنَّه (٢٢) يَحْنَثُ بالبعضِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وسَلَّمه أصْحابُ الشافِعِىِّ فى اسْمِ الجِنْسِ دونَ الجَمْعِ. وإِنْ عَلَّقَه على اسْمِ جِنْسٍ مُضافٍ، كماءِ النَّهْرِ، حَنِثَ أيضًا بفِعْلِ البَعْضِ، إذا كان ممَّا لا يُمْكِنُ شُرْبُه كُلُّه. وهو قولُ أبى حَنِيفَةَ، وأحَدُ الوَجْهَيْنِ لأَصْحابِ الشافِعِىِّ، والآخَرُ، لا يَحْنَثُ؛ لأنَّ لَفْظَه يَقْتَضِى جَمِيعَه، فلم يَتَعَلَّقْ ببَعْضِه، كماءِ الإِداوةِ. ولَنا؛


(١٦) فى أ، ب، م: "لم".
(١٧) أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى المزاح، من كتاب الأدب. سنن أبى داود ٢/ ٥٩٦. وابن ماجه، فى: باب أشراط الساعة، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه ٢/ ١٣٤١، ١٣٤٢. وأخرج الحديث دون لفظ: "كلى أو بعضى" البخارى، فى: باب ما يحذر من الغدر، من كتاب الجزية. صحيح البخارى ٤/ ١٢٤.
(١٨) فى م: "يفعل".
(١٩) تقدم تخريجه، فى: ٤/ ٤٦١.
(٢٠) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى فضل فاتحة الكتاب، من أبواب فضائل القرآن. عارضة الأحوذى ١١/ ٢ - ٦. والإمام مالك، فى: باب ما جاء فى أم، القرآن، من كتاب الصلاة. الموطأ ١/ ٨٣.
(٢١) سقط من: ب. نقل نظر.
(٢٢) فى م: "فإنما".

<<  <  ج: ص:  >  >>