للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلمِ. وهو قَولُ أهلِ العِراقِ. وظاهرُ مذهبِ الشَّافِعىِّ. وقال بعضُ أصحابهِ: لا يَلْزَمُ الوَفاءُ به؛ لأنَّ أبا عُمرَ غُلامَ ثَعْلبٍ قال: النَّذْرُ عندَ العربِ وَعْدٌ بشَرْطٍ. ولَأنَّ ما الْتَزَمهُ الآدَمِىُّ بِعِوَضٍ، يَلْزَمُهُ بالعَقْدِ، كالْمَبِيعِ والمُستَأْجَرِ، وما الْتزمَهُ بغيرِ عِوَضٍ، لا يَلْزَمُه بِمُجرَّدِ العَقْدِ، كالْهِبَةِ. النوعُ الثالثُ، نَذْرُ طاعةٍ لا أصْلَ لها فى الوُجوبِ، كالاعْتكافَ وعِيادةِ المريضِ، فيَلْزَمُ الوَفاءُ به [عندَ عامَّةِ أهلِ العلمِ. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ، أنَّه لا يَلْزَمُه الوفاءُ به] (٧)؛ لأنَّ النَّذْرَ فَرْعٌ على المَشْروعِ، فلا يجبُ به ما لا يجِبُ له نَظِيرٌ بِأصْلِ الشَّرعِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ نَذَرَ أن يُطِيعَ اللَّه فَلْيُطِعْهُ" (٨). وذَمُّه الذين ينْذُرُونَ ولا يُوفُون (٩)، وقولُ اللَّهِ تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (١٠). وقد صحَّ أَنَّ عمرَ قال للنَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنِّى نَذَرْتُ أَنْ أعْتكِفُ ليلةً فى المسجدِ الحرام؟ فقال له النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ" (١١). ولأنَّه ألْزَم نفسَه قُرْبةً على وَجْهِ التَّبَرُّرِ، فتَلْزَمُه، كمَوْضعِ الإجماعِ، وكما لو ألْزَمَ نفسَه أُضْحِيَةً، أو أوْجبَ هَدْيًا، وكالاعْتَكافِ، وكالعُمْرةِ، فإنَّهم قد سَلَّمُوها، وليست واجبةً عندَهم، وما ذكَرُوه يبْطُل بهذين الأصْلَيْن، وما حَكَوْه عن أبى عمرَ لا يصِحُّ؛ فإِنَّ العربَ تُسَمِّى المُلْتَزَمَ نَذْرًا، وإن لم يكُنْ بشَرْطٍ، قال جَمِيل (١٢):

فليت رجالًا فيكِ قد نَذَرُوا دَمِى ... وهَمُّوا بقَتْلِى يابُثَيْنُ لَقُونِى

والْجَعَالةُ وَعْدٌ بشَرْطٍ، وليست بنَذْرٍ. القسم الثالث، النَّذْرُ المُبْهَمُ. وهو أن يقولَ: للَّهِ علىَّ نَذْرٌ. فهذا تجبُ به الكفَّارةُ، فى قَوْلِ أكثرِ أهلِ العلم. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ


(٧) تكملة من الشرح الكبير ٦/ ١٤١. ولم نجدها فى الأصول جميعها.
(٨) تقدم تخريجه، فى: ٤/ ٤٥٦.
(٩) تقدم تخريجه، فى صفحة ٦٢١.
(١٠) سورة التوبة ٧٥ - ٧٧.
(١١) تقدم تخريجه، فى: ٤/ ٤٥٧. ويضاف إليه: وأخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٠.
(١٢) ديوانه ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>