للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفعلِ ما نَذَرَهُ، فلم يُوجِبْ كفَّارةً، كَنذْرِ المُسْتحيلِ. ولَنا، ما تقدَّم فى القِسْمِ الذى قبلَه. فأمَّا حديثُ التى نذْرتِ المَشْىَ، فقد أمرَ فيه بالكفَّارةِ فى حديثٍ آخَرَ، فرَوَى (٤٠) عُقْبةُ بنُ عامرٍ، أَنَّ أُختَه نذَرتْ أَنْ تَمْشِىَ إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ، فسُئِلَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "مُرُوهَا فَلْتَركَبْ، وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينهَا". صحيحٌ، أخْرجَهُ أبو داوُدَ. وهذه زِيادة يجبُ الأخْذُ بها، ويجوزُ أن يكونَ الرَّاوِى للحديثِ رَوَى البعضَ وتركَ البعضَ، أو يكونَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تركَ ذِكرَ الكفَّارةِ فى بعض الحديثِ، إحالةً على ما عُلِمَ من حديثه فى مَوْضِعٍ آخرَ. ومن هذا القِسْم إذا نَذَرَ فعلَ مَكْروهٍ، كطلاقِ امرأتِه، فإنَّه مَكْرُوهٌ، بِدليلِ قولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ" (٤١). فالمُسْتحَبُّ أَنْ لا يَفِىَ، ويُكفِّرَ، فإن وَفَى بِنذْرِه، فلا كفَّارةَ عليه، والخلافُ فيه كالذى قَبلَه. القسم السادس، نَذْرُ الواجب، كالصلاةِ المكْتوبَةِ، فقال أصْحابُنا: لا ينْعَقِدُ نَذْرُه. وهو قولُ أصحابِ الشَّافعى؛ لأَنَّ النَّذْرَ الْتِزامٌ، ولا يصِحُّ الْتِزامُ ما هو لازِم له. ويَحْتَمِلُ أَنْ ينْعَقِدَ نَذْرُه مُوجبًا كفَّارةَ يَمِينٍ إِنْ تركَه، كما لو حلَف على فِعْلِه؛ فإِنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ، وقد سَمَّاه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمِينًا (٤٢). وكذلك لو نَذَرَ مَعْصِيَةً أو مُباحًا، لم يَلْزَمْه، ويُكفِّرُ إذا لم يفْعَلْهُ. القسم السابع، نَذْرُ المُستَحيلِ، كصومِ أمسِ، فهذا لا ينْعَقِدُ، ولا يُوجِبُ شيئًا؛ لأنَّه لا يُتَصَوَّرُ انْعِقادُه، ولا الوَفاءُ به، ولو حلَف على فِعْلِه لم تَلْزَمْه كفَّارةٌ، فالنَّذْرُ أوْلَى، وعَقْدُ البابِ فى صحيحِ المذْهبِ، أَنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ، ومُوجَبُه مُوجَبُها، إِلَّا فى لُزومِ الوفاءِ به،


= يملك وفى معصية، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى ٣/ ٢٥، ٨/ ١٧٧. ومسلم، فى: باب من نذر أن يمشى إلى الكعبة، من كتاب النذور. صحيح مسلم ٣/ ١٢٦٤.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب من رأى عليه كفارة إذا كان فى معصية، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود ٢/ ٢١٩، ٢٢٠. والترمذى، فى: باب ما جاء فى من يحلف بالمشى ولا يستطيع، من أبواب الأيمان والنذور، عارضة الأحوذى ٧/ ٢١. والنسائى، فى: باب ما الواجب على من أوجب على نفسه نذرا فعجز عنه، من كتاب الأيمان. المجتبى ٧/ ٢٨. وابن ماجه، فى: باب من نذر أن يحج ماشيا، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه ١/ ٦٨٩. والإمام أحمد، فى: المسند ٣/ ١٠٦، ١١٤، ١٨٣، ٢٣٥، ٢٧١.
(٤٠) فى م: "وروى".
(٤١) تقدم تخريجه، فى: ١٠/ ٣٢٤.
(٤٢) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>